شابة من عين البنيان بالجزائر العاصمة، جرّتها الماسونية من أذنها عبر « الفايس بوك »، لتثور على من ربياها صغيرة، ودفعت بوالديها للقضاء لأنهما أرادا مساعدتها لأجل التحرّر من التيار الجارف للماسونية.
شباب وكهول من خريجي الجامعات من سكيكدة وسطيف والشلف، لم يقتنعوا بأن محمّدا -صلى الله عليه وسلم- هو خاتم الأنبياء فآمنوا بميرزا أحمد نبيا، ذاك الذي زرع الفتنة في بلاد الهند، سيدة من تبسة تجرّأت على قيادة سيارتها واصطحاب بعض الشباب واقتحمت مقبرة آهلة بزوار أهاليهم، وراحت تلعن السيدة عائشة أم المؤمنين والخليفتين الراشدين عمر بن الخطاب وأبو بكر الصديق -رضي الله عنهم-، محامية شابة من قسنطينة، أبت إلا أن تنقل كُفرها الصريح في رحلة عبر القارات لصالح شاب من لبنان يقطن في كندا، فقدّمت له نفسها على أنها زعيمة الملحدات في الجزائر فكشف إلحادها عبر اعترافها المصوّر، شباب من وهران لم تكفهم أعياد المسلمين ولا المسيحيين فأقاموا حفلة لـ »عبادة الشيطان »، وهي حفلة عيد « الهالوين » فارتدوا أقنعة ومارسوا ما لا تُبيحه كل الأديان السماوية.
هذه نماذج مصغّرة تم تسجيلها في سنة 2016، تؤكد مدى الفراغ الروحي الذي يعاني منه بعض الشباب وبعض الشابات، وللأسف هم كثيرون صاروا لا يجدون حرجا في صدم المجتمع الجزائري بخروجهم عن الملة أو محاولة التميّز الروحي وما خفي للأسف أعظم.
وبين هذا وذاك ظهر آخرون بمغالطات أخرى، فحاولوا معالجة المشكل ولكن بمشكل آخر فظهر من سمّوا أنفسهم بالقرآنيين، وهم في الحقيقة يفسّرون القرآن على طريقتهم.
الخوارج بثوب جديد
فعاد الخوارج ولكن بثوب جديد، في آخر الزمان ليلغوا سنن المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وهم بذلك يلغون حتى آيات قرآنية حثّت على إتباع رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم-، والمشكلة الكبرى هي أنّ علماء في الشريعة من الأزهريين وحتى هنا في الجزائر من المنتسبين للجامعة الإسلامية « الأمير عبد القادر » في قسنطينة، صاروا ينظّرون لهذا الاتجاه أو ذاك ويلتمسون لهم الأعذار، فقد أطلق دكتور جزائري، برتبة بروفيسور تصريحات مثيرة، قال إنها نابعة من الفكر وعدم الجمود الذي يجب أن يتحلى به المسلمون بعد أن جرفهم التطوّر التكنولوجي الكبير، فسقطوا في التفرقة والتمزّق وتوافه الأمور، على حد تعبيره، على خلفية أحداث قديمة جدا، وأحاديث وأقوال لصحابة قد تكون خاطئة ومن نسج الخيال. الدكتور الذي أصرّ على ذكر اسمه ولا يرى في ذلك مانعا، ونحن نتحفّظ عليه، قال لـ »الشروق العربي »، بأن طلبة في الجامعة الإسلامية من المتمكنين والمتفوّقين وعددهم كبير جدا، يرفضون مثلا الخلافة المعروفة باسم الخلافة الراشدة، لأنها جاءت من أخطاء ارتكبها بعض الصحابة وهم بالتأكيد غير منزهين وغير معصومين، وكما قال، فإن الخلافة لم تأت لا بشريعة ولا بقرآن، بل قسّمت المسلمين واهتمت بأمور دنيوية ومادية بعيدة عن روح الإسلام في محاولة لإعطائها الطابع المقدس والمبالغ فيه، وحتى المنظومة التي قامت عليها وهي منا أمير ومنكم أمير لا علاقة لها بالإسلام الحقيقي حسبه، ومع ذلك يصرّ المسلمون على غض الطرف عن أخطائها، ومحاولة إعطائها صبغة مزيّفة وأحيانا مقدسة، ومشاهير الصحابة لهم أخطاءهم الجسيمة أيضا، واعترف الدكتور أنه على قناعة أنّ 95 بالمائة من الأحاديث الشريفة التي قرأها ويدرّسها حاليا لطلبة الشريعة، موضوعة وهي مدسوسة وغير صالحة للتطبيق، ومن المستحيل أن يكون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هو من قالها، واعتبر الصحيحين « البخاري » و »مسلم » مجسّمين وفيهما ما يقال، ومكانهما في المكتبة ككتب تراث وليس للتطبيق مثل القرآن الكريم. والشيء نفسه بالنسبة لكل أمهات المؤمنين اللائي ارتكبن أخطاء ولم تكنّ معصومات. الدكتور في حديثه لـ »الشروق العربي »، أصرّ على نبذ المذهبية التي يتجه إليها شيعة علي -رضي الله عنه-، واعتبر هذه التسميات هي سبب وهن الأمة، أمّا السلفية فاعتبرها المرض الأكبر الذي تعرّضت له الأمة، واعتبر خيارات الناس من لب حرية الفكر.
هذا ودعا الدكتور ذاته إلى مناظرات تلفزيونية وأعرب عن استعداده لها قائلا « نريد الاتكاء على القضايا التي نتفق عليها والأحاديث التي نتفق عليها، وأن يكون لنا لقبا روحانيا مشتركا وليكن القرآنيون لأنه الكتاب المنزه؟ ».
وبقدر ما أبان طوفان الشباب الباحث عن نفسه في الأحمدية والإلحاد وسط الفراغ الروحي الذي يعيشونه ما يسمونه بالحرية، بقدر ما رفضوا حتى تمسّك الجزائريين بدينهم الحنيف، بقدر ما تساءلوا كيف لأهل السنة أن يرتبطوا باجتهادات أئمة المذاهب الأربعة، ويجعلونها تشريعا يقوم على بذل من رجال صالحين، لكنهم ليسوا خالدين بما قاموا به.
ونشطت هذه الجماعات الباحثة عن نفسها في الضلال بقوة في الأشهر الأخيرة في وهران والبويرة وقسنطينة وغيرها من المدن خاصة الرافضة للسنة، إذ تكتفي بصبّ بعض المؤلفات الشهيرة لمفكري هذه المذاهب الجديدة في حسابات وعناوين بعض الأساتذة والطلبة الجامعيين الإلكترونية، وعلى الرغم من أنّ كتب المهندس، محمد شحرور، مثلا غير موجودة بكثرة في الجزائر، إلا أنها تلقى رواجا، وقد بيعت في المعرض الدولي للكتاب في نسختيه ما قبل الأخيرتين.
جزائريون يطالبون بشهادة تتوقف عند « لا إله إلا الله ».. فقط
وكما لكل طائفة غلاة، فإن للقرآنيين مثلا الذين حاولوا في البداية أن يظهروا متمسّكين بكتاب الله وحريصين على أن لا يأخذوا من الحديث إلا الصحيح منه، ظهر منهم أيضا غلاة، إلى درجة أن البعض منهم قال بأن الشهادة يجب أن تتوقف عند « لا إله إلا الله »، فقط، من دون شهادة « أنّ محمّدا رسول الله »، محاولين أن يشرحوا القرآن بالخطأ على أساس أن الله طلب من المؤمنين بأن لا يفرّقوا بين الرسل، ورأوا أنّ ذكر محمّد – صلى الله عليه وسلم- دون بقية الرسل في ركن من أركان الإسلام.
وقد ساعد هذه الطوائف، انتشارهم، الوضع البائس للمسلمين والانقسامات التي يعرفها العالم الإسلامي في علمائه فما بالك بعامة الناس، مع ظهور تنظيمات إرهابية، إضافة إلى الانتقادات الكبيرة التي طالت الوهابيين والسلفيين في الفترة الأخيرة وبالتحديد بعد اندلاع ما يسمى بـ »الربيع العربي »، فاستغلوا الفرصة لطرح أفكارهم ووصف بقية الفرق بالجاهلة، تحت ما يسمى بحرية المعتقد والفلسفة التي فجرها « الفايس بوك » لأصحاب العقول الصغيرة.
هذه الطوائف المختلفة وجدت من ينظر لها، وهناك من يستعمل أسماء مفكرين دون علمهم، وأيضا استعمال أسماء كبار الجزائر الخالدين، فيقحمون الأمير عبد القادر ضمن الماسونيين، ويحاولون اتهام الشيخ بن باديس، بكونه قرآني والمفكر مالك بن نبي بتشجيعه على التشيّع، ومنهم أيضا المهندس والمفكر المعروف السوري محمد شحرور، الذي يرفض أن يكون من جماعة القرآنيين، ويصرّ على أنه مجدّد ومفكر، يقدم أفكاره بالأدلة القاطعة من القرآن الكريم، وهدفه إخراج المسلمين من بعض الخزعبلات، إلا أنّ القرآنيين يستندون على كتبه والأفكار التي تقول بأن طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، لا تكون إلا في العبادات على أساس أن القرآن الكريم يذكر الطاعات مقرونة بكلمة الرسول، بينما في الحياة الدنيا يذكره باسم النبي، ومن أشهر كتب المهندس شحرور التي يقحموها في فكرهم، الكتاب والقرآن، والسنة الرسولية والسنة النبوية، والدين والسلطة، وقصص القرآن الذي يحتوي على عدة أجزاء خاصة بمختلف الأنبياء، كما شاع كتابه تجفيف منابع الإرهاب، ويوجد علماء آخرون منهم السوداني محمد أبو القاسم حاج حمد والفلسطيني الدكتور عدنان إبراهيم والسوري عدنان رفاعي، الذين فهم البعض فكرهم بطرائق مختلفة تنفي السنة النبوية، ومع ذلك يتحد القرآنيون على أنه لا يوجد في القرآن الكريم ما يدعوا لإتباع السنة الشريفة الخاصة بأمورنا الدنيوية، ويشرحون الآيات القرآنية بطريقة جديدة كقوله تعالى « أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول »، إذ يرون بأن المقصود بالطاعة هنا للرسول -صلى الله عليه وسلم- بما سبق آية طاعته، أي في الفرائض الإسلامية وليس حول الشؤون الدنيوية المذكورة في الأحاديث الشريفة. وفي خضم نمو هذا المذهب الجديد الذي يحمل شعار لا سنيّة ولا شيعية بل قرآنية، يبقى دورهم الفكري وشرحهم على طريقتهم الخاصة للقرآن الكريم يجعلهم بعيدين عن الشبهات القانونية ولا يمكن لأي مصلحة أمنية التحقيق معهم أو منعهم من « التفكير » كما يقولون، كما حدث مع الأحمديين الذين تمت محاكمتهم مؤخرا في عنابة وسكيكدة، حيث إنّ أقصى حكم صدر ضدهم هو ستة أشهر غير نافذة.