كانت الساعة تشير إلى تمام الثانية بعد الزوال، حينما وصلنا إلى محطة الترامواي بالعناصر « الرويسو » برفقة أحد أعوان مديرية الترامواي، الذي رافقنا طيلة رحلتنا، كان الأعوان يقفون أمام الباب الخلفي للترامواي ويراقبون المسافرين، فيوجهون هذا إلى شباك التذاكر ويستفسرون ذاك عن تذكرته قبل الدخول إلى العربة، ويساعدون في نفس الوقت كبار السن والنساء اللواتي يحملن أطفالهن حتى تسهل عملية دخولهم إلى الترامواي الذي كان مكتظا عن آخره عندما انطلق من محطة الرويسو باتجاه درقانة..
« دراهم الدولة »، »حقي في البترول » العبارتان الشهيرتان لـ »حراقة » الترامواي
قال لنا أحد أعوان المراقبة في الترامواي، والذي رفض الإفصاح عن اسمه أنه من أوائل الأعوان، الذي بدأ عمله هنا منذ بدايات الترامواي قبل أربع سنوات، وهو يصطدم يوميا بتعنت الركاب وتهربهم من دفع ثمن التذاكر، حيث تطرق مسامعه يوميا نفس العبارات على شاكلة « دراهم الدولة »، « حقي في البترول »،
« حمار الدولة »، « راك تزيد عليها » وغيرها من العبارات، التي يرددها مرتادو الترامواي كحجج واهية لتبرير عدم اقتنائهم التذاكر قبل الصعود إلى عربات الترامواي، وهي أمور يواجهونها يوميا طيلة ثماني ساعات يقضونها ذهابا وإيابا بين عربات الترامواي في المحطات المعنيين بالعمل فيها، بما أن كل مجموعة متكونة من خمس أعوان مكلفة بمنطقة معينة.
وأوضح ذات العون أنهم في كل مرة يحاولون إفهام المسافرين بالحسنى أن هذه الأموال التي يدفعونها لشراء التذاكر، هي التي يتقاضى منها الموظفون والعمال في الترامواي رواتبهم، أي لكل فرد في المجتمع دوره وما عليه سوى أداء دوره على أحسن وجه.
إهانات.. سب وشتم واعتداءات بالأسلحة البيضاء
السب والشتم والاهانات.. أصبحت واحدة من الأمور التي ترافقنا في يومياتنا، حيث تطرق مسامعنا يوميا عبارات خادشة للحياء وكلام بذيء من بعض الركاب » هذا ما قاله أحد الأعوان، مضيفا أنهم يتعاملون يوميا مع المنحرفين والمسبوقين قضائيا ومتعاطي المخدرات، ولولا أنهم يسكتون في غالب الأحيان ولا يردون على استفزازات بعض الركاب لوقعت كوارث لا أخلاقية في الترامواي، إلا أنهم يترفعون عن بعض الشتائم والاهانات محافظة على الهدوء وحفاظا على حرمة وشرف العائلات التي تتواجد في عين المكان.
وهنا قاطعنا عون آخر قائلا « هذه أصبحت من الأمور العادية إلا أن الأمر تعدى ذلك إلى الاعتداءات الجسدية باستعمال الأسلحة البيضاء »، فكم من زميل لهم تعرض لاعتداء بالسكين أو شفرة الحلاقة وكان ذنبه الوحيد أنه طلب من الراكب دفع ثمن التذكرة أو بالأحرى غرامة الامتناع عن شراء التذكرة المقدرة بـ100 دج، وقال العون إنه نجا بأعجوبة من محاولة الاعتداء بشفرة حلاقة بمجرد خروجه من باب الترامواي لولا ستر الله وكان الباب قد أغلق وراءه قبل أن تلمس الشفرة وجهه، وهذه الأفعال يتجرأ عليها الكثير من الشبان المنحرفين والحاقدين على أعوان الترامواي على حد قوله.
حيل وتلاعبات للتهرب من دفع ثمن التذاكر
ونحن نرافق الأعوان داخل عربات الترامواي لاحظنا عدم احترام بعض المسافرين لهم، حيث يكلمونهم بطريقة مستفزة وغير لائقة، إلا أن الأعوان يرفضون الدخول معهم في نقاش أو صراع، حفاظا على هدوء الترامواي وكذا حرمة العائلات الموجودة هناك حسب ما صرح لنا به أحد الأعوان، قائلا إنهم يدخلون في معظم الأحيان في صراعات مع بعض الركاب، إلا أنهم يحاولون جاهدين التحكم في أعصابهم أمام وقاحة بعض مرتادي الترامواي.
وبينما كان عون الأمن يطلب من إحدى السيدات منحه تذكرة الترامواي راحت تبحث في حقيبتها وأخرجت مجموعة من التذاكر منتهية الصلاحية، بل وأخرجت كذلك تذكرة المترو ولم تكن ولا واحدة منها تحمل تاريخ اليوم، وهنا قال لنا العون إنها من بين الحيل التي يلجأ إليها الركاب يوميا كحجة على أنه أضاع التذكرة.
وهذا رجل آخر لا يملك تذكرة، دخل في نقاش مع العون الذي طلب منه دفع الغرامة وأجابه قائلا: »لا أملك المال وسأنزل في المحطة القادمة »، وانتظر العون حتى المحطة وطلب منه النزول وسط تمتمات الرجل، وهي كذلك من الحيل التي يستعين بها الركاب « الحراقة ».
غرامة 100 دينار و »توبيخ » للمتهربين من شراء التذاكر
أما أحد الشبان فدفع على مضض غرامة الامتناع عن شراء التذكرة بقيمة 100 دج، وهنا ذكره العون أنه كان عليه شراء التذكرة بمبلغ 40 دج قبل الصعود إلى عربة الترامواي حتى لا يضطر لدفع الغرامة، وأن يتصرف بطريقة قانونية تفاديا للوقوع في مثل هذه المآزق.
وأكد العون أن العبارتين الشهيرتين لحراقة الترامواي هي « جيت مزروب ونهبط لاري الجاي »، وبالفعل سمعنا إحدى السيدتين اللتين لا تملكان التذاكر تقول للعون »نهبطو لاري الجاي »، فطلب إليها دفع ثمن الغرامتين ثم النزول بعدها في المحطة القادمة، وهنا قالت له إحداهما إن عددا من الأعوان تسامحوا معهما وإنه الوحيد الذي طلب ثمن الغرامة، فأجابها « راني ندير خدمتي مادام ».
كلما مشينا داخل الترامواي كنا نلاحظ بعض الركاب الذين يحاولون التهرب من خلال النزول قبل أن يصل العون إليهم والصعود من الباب الآخر، وهي أيضا من الحيل الشهيرة التي يعتمدها « الحراقة » في الترامواي، في حين يحاول آخرون إغاضة أعوان المراقبة من خلال تحديهم، حيث أن أحد الركاب أخرج ورقة 2000دج وقال للعون إنه يملك المال ولكنه لن يقوم باقتناء التذكرة، وقبض العون ثمن 4 غرامات في أربع محطات قائلا إن حوالي 80 بالمائة من ركاب الترامواي في المحطات الممتدة من برج الكيفان إلى درقانة لا يدفعون ثمن التذاكر.
مهنة مراقبة التذاكر في الترامواي مهنة العصبية والضغط
قال الأعوان إن مهنتهم من أكثر المهن التي يعيش عمالها ضغطا رهيبا، خاصة في ظل امتناع الركاب عن الدفع أو دخولهم في جدال وملاسنات كلامية معهم لولا أنهم يحاولون في غالب الأحيان إفهامهم بالليونة، كما أنهم قالوا إنهم لا يعملون فقط كمراقبي التذاكر، بل إن مهنتهم تتعدى إلى توجيه المسافرين في حال حدوث اعتداءات سرقة وغيرها وكذا تقديم يد المساعدة للشيوخ والعجائز والمرضى للصعود إلى عربات الترامواي وتوفير أمكنة،
حيث أنهم ينقسمون إلى أربع مناطق كل منطقة تضم ثماني محطات أو أكثر ويتوزعون على مجموعتين، كل مجموعة تتكون من 5 أعوان.
وأكد لنا أحد الأعوان أن عددا لا بأس به من الأعوان يصابون بارتفاع الضغط الدموي خلال عملهم، خاصة مع النرفزة الكبيرة التي يسببها لهم بعض الركاب، الذين لا يراعون حالتهم النفسية بعد ساعات من العمل الشاق وهم يجوبون عربات الترامواي ذهابا وإيابا لمدة ثماني ساعات.
نحتاج إلى توفير التغطية الأمنية والظروف الملائمة
طالب أعوان المراقبة في الترامواي بضرورة توفير التغطية الأمنية لهم أثناء عملهم، حيث يجب مرافقة رجال الشرطة لهم في كل المحطات، خاصة التي ينتشر فيها المنحرفون والمجرمون لحمايتهم من الاعتداءات الجسدية باستعمال السلاح الأبيض وغيرها من الأدوات الحادة التي يستعملها بعض الركاب وكذا فرض الاحترام والانضباط، الذي كان متوفرا نوعا ما في بدايات انطلاقة الترامواي، حينما كانت التغطية الأمنية متوفرة، حيث أن الكثير من مرتادي الترامواي لا يحترمونهم، باعتبار أنهم لا يملكون الحق في استعمال القوة معهم وكل ما يستطيعون فعله هو مطالبتهم بالنزول في المحطة القادمة في حال لم يدفعوا ثمن التذاكر.
وناشد الأعوان السلطات توفير ظروف العمل المناسبة على غرار توفير أماكن مغطاة خاصة بهم في محطات الترامواي، تحميهم من أشعة الشمس الحارقة في الصيف والأمطار في فصل الشتاء.