عبد الرزاق قسوم: تحرير الصكوك بالعربية فقط « تعسيرٌ » على البعض
شكّل موضوع إسقاط نواب الغرفة السفلى تعديل تعريب الصكوك البريدية « صدمة » كبيرة على المدافعين عن تعريب الإدارة والأكاديميين، إلى درجة وصفه البعض بـ »الفضيحة المدوية » والضربة القاضية في طريق تعميم استعمال اللغة العربية… في وقت برّر النواب قرارهم، برفضهم استعمال لغة واحدة ووحيدة في ملء الصكوك البريدية، لوجود مواطنين غير معربين من النشأة وجاليات أجنبية بالجزائر، قد يواجهون مشاكل في ملء صكوكهم في حال طبق القرار، والجزائر بلد يضمن الحرية في لغة التخاطب والتدوين للجميع، حسبهم.
لم يمر أمر إسقاط استعمال اللغة العربية في الصكوك البريدية بردا وسلاما على أصحابه من نواب المجلس الشعبي الوطني، بعد رفضهم وبالأغلبية المطلقة المصادقة على أحد التعديلات الذي تقدمت به نائب عن حركة مجتمع السلم، صليحة قاشي، خلال مناقشة مشروع القانون المتعلق بالبريد والاتصالات الإلكترونية.
فهاجمهم الأكاديميون والخبراء، الذين رأوا في هذا الرفض، حجر العثرة الذي سيقطع أي طريق قد يفتح مستقبلا لتعريب الإدارة. فيما فضل البعض الوقوف على الحياد، واحترام خصوصية البعض ممن تعودوا على تحرير الصكوك البريدية باللغة الفرنسية، مؤكدين أن الإجبار على استعمال لغة واحدة هو « تضييق على حرية كثيرين ».
أرزقي فراد:
« فضيحة البرلمان » أكدت أننا شعب يهين لغته ولديه قابلية للاستعمار…
فيما ذهب المؤرخ والأكاديمي، أرزقي فراد، أبعد من ذلك عندما وصف ما تعيشه اللغة العربية بالجزائر بـ »المأساة »، فحسب تعبيره لـ »الشروق » لا يوجد بلد يهين لغته الوطنية ومسؤولون يهينون أنفسهم مثلما يحدث في الجزائر، ولا مبرر لرفض استعمال اللغة الوطنية، حسب تعبيره. والظاهرة جعلته يستنتج وجود القابلية للاستعمار لدى كثيرين عندنا.
وسرد فرّاد، تجربته الشخصية، حيث قال « منذ فتحت حسابا بريديا وأنا في سن الـ14 لم أتخل يوما عن تحرير صكوكي بالعربية ولم أتحرج من ذلك إلى اليوم ».
فيما وصف سلوك النواب بالفضيحة في البرلمان، والعبث باللغة العربية، التي تعتبر لغة رسمية للدولة، « بل مجرد طرح الموضوع للمصادقة هو إهانة لبلد الشهداء، وعيب وعار »، ولم يتقبل فراد أبدا تبرير النواب، حول منح الحرية للجميع لاستعمال اللغة التي يريدون ومنهم الأجانب، فتساءل « عن أي أجانب يتحدثون، وهل لدينا سياحة، وما هو البلد الذي يحرر صكوكا بغير لغته الوطنية؟ ».
عبد الرزاق قسوم:
تحرير الصكوك بالعربية فقط « تعسيرٌ » على البعض
وبالمقابل، هون رئيس جمعية العلماء المسلمين، عبد الرزاق قسوم، من الموضوع، فرغم اصطفافه في صف المنادين بتعريب الإدارة، ولكن في أمر تحرير الصكوك البريدية « فكل شخص حر في اللغة التي يستعملها، ولا يمكن أن نفرض على الجميع استعمال اللغة العربية »، معللا كلامه، « بأنه مع دعاة المرحلية والتسامح في كل شيء، فهنالك ضحايا للتكوين باللغة الفرنسية، ولا يجب إغلاق الباب عليهم، وإجبارهم على التحرير بالعربية، بل علينا استعمال جميع اللغات لنفتح المجال لكل الناس ».
النائب مسعود العمراوي:
لم هذا الهجوم علينا؟ نحن فقط احترمنا خصوصية حاملي الصكوك
فيما برّر النائب عن تحالف العدالة والنهضة والبناء، مسعود العمراوي، اصطفافه إلى جانب المعارضين لتعريب الصكوك البريدية، بأن التعديل الذي تقدمت به النائب يتحدث عن تحرير الصكوك بلغة واحدة فقط وهي العربية، فهنا سيضطر الفرنكفونيون والجاليات الأجنبية للاستعانة دوما بكاتب عمومي لتحرير صكوكهم، وهو ما رفضناه حفاظا على مصلحة الجميع، وليس إنقاصا من اللغة العربية، بل يجب احترام خصوصيات حاملي الصكوك.
وتأسّف العمراوي للحملة الكبيرة التي تشنها أطراف على النواب، ولما وصفه بـ »التضخيم الكبير للموضوع ».
صاحبة المقترح، النائب صليحة قاشي لـ »الشروق »:
البرلمان « مطعون في شرعيته » ومقترحي رفض قبل إسقاطه في جلسة التصويت
ارتأينا الاتصال بالنائب عن حركة مجتمع السلم، ومقترحة التعديل بتعريب الصكوك البريدية، صليحة قاشي، لمعرفة ردّ فعلها بعد رفض تعديلها.
« كنت متوقعة أن يرفض التعديل خاصة من نواب الموالاة، المتعودون على ذلك… » هكذا استهلت قاشي حديثها معنا، ومعتبرة أن كل التعديلات التي تلقى معارضة أثناء مناقشتها على مستوى اللجان التي « يتحكم فيها نواب الموالاة » ترفض أثناء المصادقة عليها…. وحسب المتحدثة، فهي طرحت تعديلا للمادة العاشرة من مشروع القانون المتعلق بالبريد والاتصالات الإلكترونية، مقترحة إعادة صياغة المادة، ليتم تحرير الصكوك البريدية كليا باللغة العربية، ولكن تعديلها لقي رفضا داخل لجنة النقل والمواصلات السلكية واللاسلكية بالغرفة السفلى، حيث حذّر أحد نواب الموالاة من حدوث « فتنة غير متوقعة، تزامنا مع ظهور بعض النقاشات في الساحة حول الهوية الوطنية ». وهو ما جعلها تتأكد من أن تعديلها سيرفض في جلسة التصويت.
حيث قالت « تعودنا على رفض كل المقترحات التي تطرحها المعارضة، والأمور ستستمر بهذا المنوال في البرلمان ». ومتأسفة للخطر المحدق باللغة العربية، فقالت « لا إشكالية لدينا في استعمال العربية أو الأمازيغية، ولكن لم الإصرار على استعمال الفرنسية؟ »
وهو ما جعلها تصف المجلس الشعبي الوطني بـ »المطعون في شرعيته »، والذي يرفض نوابه ممن انتخبهم الشعب « أن يتخندقوا في صف من انتخبهم « .