أجمع الجزائريون أن زمن الأمجاد قد حان للمنتخب الوطني ليتوج بكأس أمم إفريقيا لكرة القدم, بمناسبة المباراة النهائية ضد نظيره السنغالي, فالكل يحمل شعار « الشعب يريد كأس إفريقيا » بشغف كبير وسط أجواء حماسية يصنعها أنصار « الخُضر », ليضبط الجميع ساعته على مباراة سهرة الجمعة بملعب القاهرة الدولي (سا 00ر20 بتوقيت الجزائر).
فبالجزائر العاصمة, صارت أحاديث غالبية الأنصار سواء في المقاهي, الأحياء الشعبية, الشوارع, مكاتب العمل أو حتى في البيوت تتمحور حول نهائي كأس أمم إفريقيا-2019 الجارية ب »أم الدنيا » مصر بين « الأفناك » و « أسود التيرانغا » وهو ثالث نهائي يخوضه الفريق الوطني الجزائري عبر تاريخ مشاركاته ضمن أكبر حدث كروي في القارة السمراء.
فالبداية كانت مع رفاق الجناح الطائر « الأشقر » صالح عصّاد خلال طبعة 1980 بنيجيريا (خسارة أمام البلد المنظم 0-3), ليقود « الأسطورة » رابح ماجر جيلا جديدا من اللاعبين على غرار موسى صايب وسي الطاهر شريف الوزاني للتتويج بأول لقب قاري أثناء طبعة 1990 داخل الديار (فوز على نيجيريا 1-0).
وتحدث عديد المناصرين الذين اقتربت منهم « واج » بمختلف أحياء مدينة « البهجة » بلسان « التفاؤل » و « الطموح » حول إمكانية عودة زملاء القائد رياض محرز بالتاج القاري إلى أرض الوطن, مُبدين ثقتهم في « كتيبة » جمال بلماضي لبلوغ الهدف المنشود.
و في جلسة ارتشاف كوب من القهوة وتبادل أطراف الحديث مع بعض الأنصار حول النهائي الإفريقي « الموعود » بأحد المقاهي المُحاذية لملعب الشهيد « محمد بن حداد » بحي بن عمر بالقبة -الشهير بتعلق أبنائه بالرياضة سيما الساحرة المستديرة- تدخل بهذا الشأن عزيوز وهو مسّير المقهى قائلا: « بلماضي كوّن فريقا قويا يستطيع التفوق على السنغال في النهائي. أكيد أنه يحضر لخطة تكتيكية مناسبة لإعادة ما سبق فعله في الدور الأول (1-0 أمام نفس الخصم) », مضيفا : « بالنظر للمشوار الذي أداه المنتخب طوال هذه البطولة الإفريقية لا يمكن أن نضيّع اللّقب .. فيها الكأس ان شاء الله كونك مهني (لا تقلق) ».
من جهته أبدى خالد, المشجع الوفي لتشكيلة « الخُضر » ثقة عمياء في القاطرة الأمامية بقيادة نجم مانشستر سيتي الإنجليزي رياض محرز, لهز شباك الحارس السنغالي في أكثر من مناسبة: « أنا أتابع أخبار الفريق الوطني يوميا من مقر
إقامتهم بالقاهرة عبر الفضائيات والجرائد وشبكة الأنترنيت فلقد لاحظت عزيمة كبيرة للاعبين في تحقيق الانتصار ».
و استدل في تفاؤله: « نمتلك محرز, بونجاح, بلاّيلي, فغولي, وناس ونتخوف من عدم القدرة على التسجيل؟ .. سيما وأن مدافعهم القوي كوليبالي (نابولي الإيطالي) لن يلعب النهائي بسبب عقوبة الإيقاف ».
وفي خضم هذه الأحاديث المفعمة بالإيجابية, تدخل « عمي دحمان » ذو الـ 70 عاما وأحد أبناء الحي المعروف بعشقه لكرة القدم ولفريقه رائد القبة والمنتخب الوطني, حيث حاول الكبح من جموح الحالمين بفوز مريح بالنهائي, قائلا : « الكرة دائرية وعودتنا على المفاجآت الحزينة فعلى منتخبا أن لا يتساهل مع السنغاليين منذ البداية, فهم أيضا يرغبون في أول تتويج قاري سيما مدربهم الذي كان قائدا لتشكيلة السنغال (أليو سيسي) التي خسرت النهائي عام 2002 ضد الكاميرون. سيعمل المستحيل من أجل الظفر باللقب. حذار ثم حذار, علينا التركيز وتفادي التراخي من أجل الفوز », رافعا أصبعه الأيمن كعلامة للتحذير.
بعدها وأثناء الطريق نحو ساحة أول ماي على متن سيارة طاكسي مُوشحة بالعلم الوطني ذو الحجم الصغير على اليمين, قال سائقها, مرزاق: « أنا جد متحمس لمشاهدة النهائي بعد 29 سنة من الانتظار, كنت صغير السن في نسخة 1990 بالجزائر. وجاءت الفرصة هذه المرة لنفرح سوية في النهائي. لا ماني ولا أسود السنغال يرهبوننا, فلاعبونا محاربون وسيصطادونهم. +نجيبوها (الكأس)+ ».
وفي الطريق, أثارت الانتباه طاولات بائعي الأعلام الوطنية وأقمصة « الخُضر » المترامية على طول الشارع الرئيسي لبلدية بلوزداد الزاهية بألوان الجزائر .. الخضراء, الحمراء والبيضاء.
==النهائي فرصة للربح الإقتصادي==
النتائج الإيجابية المحققة من طرف أشبال الناخب الوطني جمال بلماضي وتزيين تلك الطاولات أدى بالمارة للإلتفاف حولها وفتح شهيتهم للإقبال على المقتنيات المتنوعة بالألوان الوطنية.
وقد أفاد مراد, وهو أحد البائعين لمختلف السلع المتعلقة بتشجيع الفريق الوطني, أن انتصارات زملاء الحارس رايس مبولحي بدورة مصر, جلبت ديناميكية إيجابية على سكان العاصمة .. « اغتمنا فرصة مشوار الخُضر البطولي وتأهلهم إلى النهائي لجلب منتوجات مختلفة أرضت الأنصار ».
وتابع التاجر قائلا: « هذا الإنجاز الرياضي صنع حركة اقتصادية فنحن كتجار نستفيد والحرفيون يستفيدون والزبائن فرحون ».
وأقبل العديد من أنصار « الخضراء » على شراء بعض اللوازم لتشجيع « الأفناك » وتزيين سياراتهم وشرفات منازلهم بالرايات الوطنية وكذا أقمصة المنتخب سواء للصغار والكبار.
وفي حديث مع عبد الحميد, الذي كان يشتري قميص وتبان « الخُضر » لإبنه وسيم ذو الـ 5 سنوات, قال: « لقد أعجبني هذا اللباس وبتسمية بلاّيلي المتألق في كأس إفريقيا وحتى ابني أعجب بلونه الأبيض وثمنه 1900 دج فأنا أعتقده مقبولا. اقتنيت كذلك راية وطنية صغيرة بمبلغ 200 دج لأعلقها بنافذة سيارتي تحضيرا للاحتفال ».
من جانبه, ربط الشاب عبد الحق (31 سنة) هذا الإنجاز الرياضي بالحراك الشعبي الذي تعيشه الجزائر منذ 22 فبراير الفارط والمُطالب بتغيير النظام السياسي السائد والقيام بإصلاحات اجتماعية عميقة لفائدة المواطنين.
وقد لوحظ وهو يقنتي قبعة بالألوان الوطنية بثمن 300 دج وعلّق بابتسامة عريضة: « هذه القبعة ستنفعني في التشجيع وتقيني من أشعة الشمس خلال المسيرات الشعبية أيام الجمعة .. نحن وراء أشبال بلماضي لتحقيق اللّقب وإسعاد الشعب », و استطرد: « دون نسيان مطالبنا السياسية فنحن نحب أن تكون الجزائر ناجحة في جميع الميادين ».
ويتأهب عشاق المنتخب والكرة عبر عديد الأحياء بمدينة الجزائر, أين سيتم تنصيب شاشات عملاقة, لمتابعة اللقاء سوية مع تزيين شرفات المنازل والطرقات بالأعلام الوطنية والرايات الحاملة للشعارات الوطنية الممجدة لـ « الخُضر ».
ويتضح جليا أن تألق المنتخب الجزائري في العرس القاري يثير الكثير من الانفعالات والاهتمام, مجسدا شغف الأنصار بالكرة المستديرة مع بروز حس وطني يزداد نبضه كلما اقترب لاعبو فريقهم من معانقة الكأس.
و الأكيد أن قلوب كل الجزائريين ستكون مشدودة يوم الجمعة نحو ملعب القاهرة الدولي, الذي سيكون مسرحا لآخر محطة من الطبعة الـ 32 لأغلى منافسة كروية في القارة السمراء, سيدور سجالها بين « أفناك » الجزائر و « أسود » السنغال.