إذا كان بعض الرجال يستندون في اختيار الزوجة إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ونسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)، فإن السواد الأعظم من الشباب لا يأخذ من هذا الحديث إلا ما تطرب له نفسه وتقر له عينه، إذ يركز معظم المقبلين على الزواج في « دفتر شروطهم »على ثنائية المال والجمال، ولا يهمهم بعد ذلك إذا كانت الزوجة المطلوبة مبتورة الصلة بدينها، مقطوعة الحبل بربها.
وقد يفاضل البعض الآخر بين المال والجمال لحاجة في نفسه، فيغدو الجمال مطلبا أساسيا إذا كان الزوج ميسور الحال، ويصبح المال أكثر من ضرورة إذا كان الزوج فقيرا أو مقبلا على مشروع ما فتكون الزوجة -عن سبق إصرار وتخطيط – هي الممول الرئيسي له، وهي رأس ماله الذي يعول عليه.
المال ثم الجمال، شعار يستخدمه ويعمل به بعض الأزواج البطالين، أو ذوي الدخل الضعيف، حيث يقع اختيارهم على الزوجة التي يتحقق فيها هذا الشرط بما يكفل لهم حياة ميسورة خالية من الكدح والشقاء، ونلاحظ ذلك من خلال طلبات الزواج المنشورة في بعض المواقع المتخصصة في » الجمع بين رأسين بالحلال »، و وسائل الإعلام التي تفرد صفحاتها لهذا الغرض، حيث يكشف الباحث عن الزوجة عن نواياه الحقيقية في تحسين مستواه المادي والاستقرار في كنف امرأة تملك منزلا وعملا وحبذا رصيدا في البنك، ولا بأس بعد ذلك إذا كانت متوسطة الجمال أو حتى قبيحة الشكل أو مطلقة ولديها أطفال، هذه هي التنازلات التي يقدمها بعض الرجال للظفر بامرأة تملك ما لا يملكه من مال، وقد استوعبت الكثير من النساء اللواتي تقدم بهن السن ولم يتزوجن هذه الحقيقة وأدركت أبعادها ومغزاها، لذلك كلما جمعتها الظروف بالشخص المناسب، كشفت له عما تملكه من مدخرات وذهب وعقارات قد تكون من نصيب ورثتها إذا لم تجد زوجا يخاف عليها ويحافظ على ثروتها، ما يجعل مهمة إقناعه بالزواج سهلة ويسيرة، تماما كما حدث مع سميرة، وهي الابنة الوحيدة لرجل يتقاضى مبلغا كبيرا من العملة الصعبة، ناهيك عن امتلاكه للعديد من العقارات والمحلات التجارية التي كتب بعضها باسم ابنته تهربا من الضرائب، ومع أن سميرة ليست على قدر كبير ولا صغير من الجمال، إلا أن الخطاب لم يكفوا عن التقدم لخطبتها، وفي الأخير وقع اختيارها على شاب بطال استنزف أموالها وباع ذهبها لتسديد ديون عائلته وعينه على العقارات والمحلات لا تنام، ورغم أنها أدركت نواياه إلا أنها ظلت محتفظة به حفاظا على شكلها الاجتماعي أمام الناس.
ويعتقد بعض الظافرين بهذه الزيجات المريحة أنهم سيملكون زمام المرأة التي أعلنت استعدادها لمنح مالها ومشاعرها للرجل الذي اختارته أو اختارها، لأنها تعتقد أنه تنازل عن حقه في الزواج بامرأة جميلة في سبيلها، وهي تعلم في قرارة نفسها أنه لم يخترها لذاتها، بل اختارها لأموالها، لذلك تحتفظ له بهذا الجميل وتترك له حرية التصرف فيما تملكه، وتتجاوز عن أخطائه في حق نفسها، وعلى العكس من ذلك، تأبى الكثير من النساء أن يتحولن إلى مجرد رصيد في البنك يسحب منه الزوج المال دون حساب، لذلك تتغير معاملتهن بعد الزواج بطريقة تكشف للرجل أنها تدرك جيدا نواياه الخبيثة، وأنها لن تمكنه من مراده، في هذا السياق، روت لنا السيدة زينب، عن خياطة ماهرة تعرفها، استطاعت أن تبني فيلا فاخرة بالأموال التي جمعتها من عملها، حيث تقول إنها تعامل زوجها الذي يعمل في قطاع التعليم معاملة سيئة، ولا تتواني عن معايرته أمام زبوناتها اللواتي أصبحن على علم بتفاصيل حياتها معه، وأنها هي من بنت الفيلا بمجهودها الفردي، وأنه مستسلم لجبروتها لأنه يعلم جيدا أنها هي من منحته العيش الرغيد والحياة الكريمة.
ما من شك، أن الزواج الذي يبنى على المنفعة والمصالح الضيقة، سرعان ما تتقوض أركانه وتعصف به المشاكل لينتهي به الحال إلى الطلاق الفعلي، أو الطلاق العاطفي، الذي هو أسوأ أنواع الانفصال بين الرجل والمرأة، حيث لا يبقى هناك مكان للمودة والرحمة، بل تضيق الدائرة بين الزوجين إلا أن يصبحا عدوان تحت سقف واحد.