قال الخبير المالي والاقتصادي كمال رزيق في حواره لـ »الشروق » أن القدرة الشرائية للمواطن بسبب الزيادة التي يقوم بها التجار كل سنة ابتداء من شهر أكتوبر ولا تستند إلى أي منطق، وأيضا بسبب الزيادات المباشرة التي تقوم بها الدولة تطبيقا لإجراءات قانون المالية كزيادة للضرائب والرسوم، بالإضافة إلى الزيادات العشوائية التي تتم في السوق لأسباب مختلفة ومتعددة خاصة في قطاع الفلاحة..
يصوت نواب المجلس الشعبي الوطني اليوم على مشروع قانون المالية الذي يحمل زيادات جديدة في الوقود، لكن الحكومة تحاول التخفيف من وطأتها.. هل تعتقد أن المواطن سيتأثر من اجراءاته؟
مع الأسف الشديد، هذه سياسة لجأت إليها الحكومة منذ قانون المالية لسنة 2016 لمجابهة نقص الموارد المالية لتمويل الميزانية، مثل ما هو مفصل في الجدول.
وإذا أخذنا هذه الزيادة فيما يتعلق بالمازوت فقط كمادة تدخل في عوامل الإنتاج، فعلى الأقل تكون هناك زيادة في حدود 11.65% يتم تحميلها إلى المواطن الذي سوف تصله زيادة في الأسعار على الأقل ما بين 5 إلى 10% و هذا شيء كبير وسلبي على المواطن الذي أصلا قدرته الشرائية انهارت منذ أكثر من سنتين مع بقاء الأجور جامدة.
لذا رغم ما تقوم به الحكومة للتخفيف من وطأة الزيادات، لكن دون أي نتيجة، لأن القدرة الشرائية للمواطن تدهورت لسببين هما: الزيادة التي يقوم بها التجار كل سنة ابتداء من شهر أكتوبر ولا تستند إلى أي منطق. والزيادات المباشرة التي تقوم بها الدولة تطبيقا لإجراءات قانون المالية كزيادة للضرائب والرسوم، بالإضافة إلى الزيادات العشوائية التي تتم في السوق لأسباب مختلفة ومتعددة خاصة في قطاع الفلاحة، لذا مهما فعلت الحكومة فقدرة المواطن الشرائية انخفضت في 03 سنوات
قدم وزير المالية ما أسماه ضمانات التحكم في التضخم مع حماية العملة الوطنية « الدينار » من أي إنهيار، هل هذا ممكن؟
يستحيل على الحكومة فعل ذلك، لأن الضغوطات على القدرة الشرائية متعددة وتتمثل أساسا في ثبات الآجر الاسمي منذ سنوات وانهيار الأجر الحقيقي أيضا، وبالتالي لم يواكب الأجر الزيادة في معدلات التضخم كما هو معمول به في جل الدول. كما لا ننسى الزيادات المستمرة والمتعددة للضرائب والرسوم المفروضة على المواطن منذ ميزانية 2016، وكذا الزيادات غير المبررة التي قام ويقوم بها التجار منذ 2015 بحجج غير حقيقية فقط، مستغلين الظرف لفرض زيادات أكبر بكثير من زيادات قانون المالية.
أما تخفيض الدينار من طرف البنك المركزي سواء بصفة معلنة أو غير معلنة منذ 2015 وخاصة في 2017، حيث فقد الدينار قيمته بحوالي 50% مقابل العملات الأجنبية وهذا كله بسبب الجباية البترولية وليس كما تدعي الحكومة بسبب ضعف الاقتصاد. فالعملة اليابانية والصينية ضعيفة مقابل الدولار والأورو ولهما اقتصادات في المرتبة 2 و3 عالميا، وبالتالي تعويل الحكومة على إبقاء التضخم بنسبة 5.5% غير حقيقي، لأن الإشكال يكمن في طريقة حسابه التي تطرح عدة استفسارات، بل الدلائل تقول بأن نسبة التضخم في الجزائر برقمين على الأقل 10%.
أسقطت لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني مؤخرا المادة التي تفرض الضريبة على الثروة، ما تعليقكم؟ وهل المبررات التي ساقتها اللجنة بغياب إحصائيات عن عدد الأثرياء مقنعة؟
هناك مثل يقول: رب عذر أقبح من ذنب، وهل للحكومة منظومة للمعلومة الاقتصادية أصلا. لا.. إذن كيف تعمل الآن لتحديد من يخضع ومن لا يخضع للضريبة، وكيف تقوم إدارة الضرائب في أداء عملها في غياب هذه المنظومة؟
اعتبر ما قامت به هذه اللجنة جريمة في حق الشعب، وعليه فاللجنة أصبحت تمثل الأغنياء وليس الشعب ونحن منها بريئين، لذا نناشد الرجال والعقلاء ومجلس الأمة وفخامة رئيس الجمهورية بإعادة إدراج هذه الضريبة، لأنها تحقق العدالة والمساواة الضريبة.
فعلا، نحن ضد إلغائها، لكن مع تعديلها سواء من ناحية النسب أي من 0.5 إلى 1.5% بدل 1 إلى 3% ومراجعة القيمة من 5 ملايير إلى 20 مليارا. وأيضا إعطاء مهلة خمس سنوات لإدارة الضرائب بإعداد النظام الاقتصادي للمعلومة المالية والاقتصادية، وبين المدتين نقوم بتطبيق طريقة التصريح من طرف الأغنياء، بل هي فرصة لإحصاء عدد الأغنياء من خلال هذه الضريبة.
الحكومة لا تعرف عدد فقرائها ولا أغنيائها، هل عجزت فعلا غن إحصائهم؟
الحكومة قادرة على إحصاء عدد الفقراء ولها وزارة خاصة بذلك تستطيع من خلالها معرفة كل حالات أفراد الشعب، لكن لا تريد، والسبب في ذلك أنها ستكون مجبرة على تقديم تعريف مقنع للفقير وبالتالي لابد أن تحدد الخط الذي يفصل بين الفقير والمسكين وتحدد مستواه المعيشي، تطبيقا للمواثيق الدولية التي صادقت عليها. والمؤكد أنها سوف تجد بهذه المفاهيم أن ربع الشعب فقير والربعين الآخرين مساكين، وفقط ربع واحد غني ومتوسط وسوف يتضح لها أن ما تقدمه من دعم في ميزانيتها قليل جدا لمجابة ظاهرة الفقر والعوز بالجزائر.
خصصت الحكومة ما يزيد عن 400 مليار لإعادة تقييم المشاريع في موازنة 2018، ما تعليقكم؟
هذه السياسة تم إتباعها منذ سنوات، لكن لم تأت بثمارها تقييم وإعادة التقييم. وفي النهاية نجد أن تلك المشاريع استنزفت تكاليف جد مرتفعة بالمقارنة مع ما هو متعارف عليه دوليا وبجودة اقل وبفترة انجاز يمكن تسجليها في كتاب غينيس للأرقام، وهذا يدل على ضعف أو استهتار القائمين على تقييم تلك المشاريع ونحن كنا نعتقد بأن هذه الطريقة ألغيت منذ عهد رئيس الحكومة السابق.
كيف تقيمون تعاطي الحكومة مع الأزمة الاقتصادية بعد 4 سنوات من الإجراءات التي اتخذتها؟
استطاعت أن تتفادى الانهيار ومواكبة الأزمة إلى حد ما، لكن بوجود الأموال الكثيرة في صندوق ضبط إيرادات الموازنة، لكن مع نفاد هذا الصندوق في فيفري 2017 أصبح هنا تحد لإيجاد الأموال، لذا قررت اللجوء إلى طبع النقود وهذه مغامرة محفوفة المخاطر سوف نرى نتائجها بعد 4 سنوات.
الإشكال أن الحكومة لا تسمح لنفسها بالخروج من الأزمة، لأن هذا يتطلب إصلاحات حقيقية وجذرية وعميقة وهذا ما لم نلمسه من الحكومة، وإجراءاتها عبارة عن حلول ترقيعية لإنقاذ الواقع فقط. وإن لم نصلح سوف تنهار كل المنجزات وكل القدرات الاقتصادية والاجتماعية، لذا نناشد الحكومة بدل مجاراتها للأزمة لابد من مجابهتها بإصلاحات عميقة مؤلمة، لكن نافعة للمستقبل.