فتحت البنوك العمومية وكالاتها عبر مختلف ولايات الوطن لاستقبال أموال “الشكارة”، حتى وإن كانت مجهولة المصدر، وتأطير دخولها إلى القنوات الرسمية، تطبيقا للتدابير الحكومية المنصوص عليها في قانون المالية التكميلي للسنة الحالية، في محاولة لاسترجاع الكتل النقدية الضخمة المتداولة خارج البنوك.
نشرت العديد من الوكالات التابعة للمصارف العمومية إعلانا يتضمن دخول التسهيلات الجبائية حيز العمل، واستفادة الزبائن “فورا” من إعفاء في مجال تحمل المستحقات الضريبية التي تقدر بـ7 في المائة، لتحفيز أصحاب الأموال غير معلومة المصدر على ضخ الأموال النقدية في الحسابات البنكية، ووجهت المصارف المعنية الإعلان إلى الجمهور الكبير فضلا عن الزبائن المتعاملين معهم.
ويعتبر إجراء العفو الجبائي أول التدابير المستحدثة في قانون المالية التكميلي تطبيقا على أرض الواقع، وهو ما يعكس الطبيعة الاستعجالية وحرص الحكومة على استرجاع أموال السوق الموازية، التي قدرها الوزير الأول عبد المالك سلال، في تصريح سابق، بـ3700 مليار دينار، في ظل تواصل الأزمة، بينما تبقى التدابير الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، على غرار إلغاء المادة 87 مكرر أو القروض الموجهة للاستهلاك، تنتظر صدور النصوص التطبيقية أو وضع الآليات والهيئات المكلفة بتطبيقها.
ولم يحدد الإعلان، الذي تحوز “الخبر” على نسخة منه، حجم الكتل النقدية المستفيدة من الإعفاء الجبائي أو الحد الأدنى والأقصى، طبقا لما هو منصوص عليه في قانون المالية التكميلي، ما يدل على أن كل الأموال تستفيد من هذه الامتيازات بصرف النظر عن قيمتها، فيما أوضحت مصادر بنكية لـ”الخبر” أن العملية غير محددة على صعيد الزمن وأنها انطلقت فعلا، مؤكدة أن كل الفروع البنكية تلقت تعليمات تقضي بعدم مساءلة الأشخاص أو الزبائن المودعين لأموالهم على مستوى البنوك عن مصدرها أو تقديم الوثائق التي تبرر طريقة الحصول عليها.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن نشر هذا الإعلان يندرج ضمن التركيز على العمل الجواري، عن طريق تقرب الوكالات المصرفية من الزبائن، في سياق شرح التدابير الجديدة المستحدثة من قبل السلطات العمومية، وذكرت أن العديد من المواطنين تقربوا إلى شبابيك الوكالات البنكية للحصول على التوضيحات بخصوص طريقة إجراء العملية ومجال الاستفادة من الامتيازات في تحمل الأعباء الضريبية، باعتباره النشاط المكمل لاستصدار القوانين، إذ تشكل الضمان لحصول الزبون على حقوقه وحماية مصالحه وأمواله المودعة.
وفي نفس الإطار، أعلنت الفروع البنكية، في مجال تحسيس زبائنها، عن انطلاق العمل بالإجراء المتعلق بمنع التعامل “نقدا” بالنسبة للصفقات التي تساوي أو تفوق قيمتها 100 مليون سنتيم في مجال المنقولات، والتي تساوي أو تزيد عن مبلغ 500 مليون سنتيم عندما يتعلق الأمر بالعقارات، وفقا للمرسوم التنفيذي الذي أكد دخوله حيز التنفيذ ابتداء من شهر جويلية المنصرم، وهي خطوة تتجه نحو تحقيق هدف تقليص الكتل النقدية غير الخاضعة للضريبة، في حين يبقى أكبر تحد بالنسبة للحكومة هو كسب ثقة المواطنين وإقناعهم بإيداع أموالهم على مستوى البنوك، في وقت تظل قضية بنك الخليفة عالقة في أذهانهم، وهو ما يفسر ارتفاع حجم “اكتناز” الأموال، إذ تشير الإحصائيات إلى أن نسبة فتح الحسابات البنكية لا تتجاوز 35 في المائة، وهي نسبة ضئيلة جدا بالمقارنة مع الدول الجارة على الأقل.