السكن المنفرد يفجر الخلافات الزوجية

بمجرد ما يكشف الشاب عن رغبته في دخول القفص الذهبي رفقة شريكة حياته التي اختارها لترافقه لآخر أيام حياته، حتى تنطلق سهام الحرب الباردة والصراع الخفي بين الحماة والكنة المستقبلية، حرب غير معلن عنها لتتحول بعد انتقال العروس للإقامة ببيتهم لمواجهات دامية يستعمل فيها مختلف الأسلحة والعتاد الحربي، وقد يستعان فيها بأطراف خارجية أيضا ولا تجدي مساعي التهدئة والهدنة في التخفيف من التوتر ليكون الحل في عبارة واحدة تقولها الزوجة « يا تطلقني يا تدريلي داري وحدي ».

يوصف المختصون الإقامة مع الحماة وأهل الزوج بالعيش على صفيح ساخن « إذا تفاهمت العجوزة والكنة يدخل إبليس للجنة »، فالأمثال الشعبية جميعها تحذر من الجمع بين الكنة والحماة، القطبين المتنافرين والمتنافسين على قلب الرجل، فأحيانا تكون الأم قوية تفضل الاحتفاظ بابنها، ومرات تشعر الزوجة بأنها تحركاتها جميعها تحت أنظار أم زوجها، فتختلق المشاكل للتملص منها، وبين الأم والزوجة تصبح حياة الزوج جحيما لا يطاق.  

تحكي لنا « س، أمينة »، لم يمض على زواجها سوى بضعة أشهر عن معاناتها مع حماتها، فقد كانت من أشد المعترضين على زواج وحيدها بها، وبعدما باءت جميع محاولاتها لإبطال الخطبة، وأصبحت كنتها رسميا فتحت عليها جبهة جديدة، فمع أنها عاملة لكن حماتها الأرملة تتعمد مضايقتها بترك أواني الغذاء في المطبخ وعدم تحضير وجبة العشاء، لتجد أعمال المنزل في انتظارها عند دخولها على الساعة السادسة والنصف، والأدهى من هذا حماتها التي تملك منحة بالعملة الصعبة وإيجار شقة فاخرة أصبحت تطالبها بتسديد فواتير الماء، الكهرباء والغاز بحجة كثرة استعمالهم من قبل العروس، وهو ما جعلها تفكر في استئجار شقة بعيدا عنها.

حماة تمنع كنتها من شرب القهوة

نفس المعاناة عاشتها « ق. ر »مع حماتها، وهي سيدة قوية جدا تدير أمور البيت وتجيد التحكم في زوجها وأبناءها، فجميعهم يعملون ويسلمونها مرتباتهم الشهرية، في البداية حاولت التأقلم مع نظام العائلة، لكنها لم تقو على ذلك، خصوصا وأن حماتها تتدخل في أدق الأمور، ووصل بها الحد لمنعها من شرب القهوة، لذا طلبت من زوجها ترك الفيلا الفخمة وكراء غرفة ومطبخ فقط بعيدا عن رقابة والدته، لتصدم بخوف هذا الأخير من المواجهة طالبا منها الصبر حتى يجعل الله لهم مخرجا.   

زوجتها ابنها فخططت لطردها من البيت

وإن كانت الحماة سببا في الخلافات في العينات السابقة، فأحيانا تكون الكنة جاحدة لم تقدمه لها الحماة من معروف وتنقلب عليها سريعا، وهي عينة من القضايا التي ترد على المحاكم والمجالس القضائية، يسرد لنا الأستاذ حسان براهمي، قصة عجوز مجاهدة لديها ولد وبنت وتقيم في فيلا، شيّدت الطابق العلوي من مالها الخاص حتى تزوج ابنها وكان لها ذلك، وبعد مرور أشهر حملت الكنة لتجمع أغراضها ذات يوم وتغادر لمنزلها العائلي وطلبت من زوجها مسكنا مستقلا، مما جعل الدفاع يخوض معركة قضائية لإثبات أن الزوجة تعيش في سكن مستقل بالطابق العلوي وحماتها لا تضايقها بتاتا وهي من تعيلها لترفع بعدها قضية خلع.

تترك حماتها المريضة وتطلب سكنا مستقلا

حالة أخرى كانت فيها أم الزوج مصابة بمرض خطير وتحتاج لعناية خاصة وبناتها متزوجات وهي تقيم مع ابنها، فأصبحت كنتها هي من تخدمها وتعتني بها، وبعد فترة وجيزة غادرت المنزل العائلي ورفعت دعوة سكن مستقل، وهو ما أغضب زوجها فقد تخلت عنه وعن والدته في فترة حرجة، فقابلها برفع دعوى طلاق وخلال سير إجراءات القضية توفيت والدته.

كنائن يسقط قناعهن بعد الحمل

ويكون الحمل غالبا نقطة تحول في معاملة الزوجة لحماتها بعدما ضمنت مكانتها في العائلة، وهو ما حدث مع شابة تزوجت وانتقلت لإحدى الولايات الفلاحية لتقيم مع أهل زوجها، وبعد أشهر قليلة من حملها رفعت دعوة تطالب فيها بتوفير سكن مستقل لها بحجة انعدام النظافة في منزل زوجها العائلي، وعيشهم بطريقة فلاحية صعبة، بالرغم من علمها المسبق بنظام حياتهم ونظرا لغياب الإمكانيات المادية آثر زوجها تطليقها.

حموات يتفنن في إهانة زوجات أبنائهم

وأحيانا تتصرف الحماة بطريقة انفرادية ففي إحدى القضايا يقول المحامي براهمي، أصرت أم الزوج على تطليق كنتها أم أحفادها، وبحكم تواجد ابنها بديار الغربة فقد طلبت منه إرسال وكالة لمباشرة الإجراءات القانونية، وعندما تطلب الإجراء حضور الشخص المعني للتوقيع على محضر الطلاق صرح بتعرضه لضغوطات من قبل والدته معلنا تمسكه بزوجته.

أما إحدى الحموات، تتمتع بشخصية قوية جدا، طلبت من ابنها الارتباط بفتاة تنتمي لنفس عرشهم، لكنه أصر على الزواج من فتاة من ولاية أخرى، وهو ما رفضته الأم جملة وتفصيلا فالكنة « برانية » بمنظورها، وظلت تختلق لها المشاكل في كل مرة بغية تطليقها، ولكن بمجرد وصول القضية للعدالة تتم المصالحة بينهم ثم تعود الخلافات من جديد.

المحامي براهمي: 90 بالمائة من قضايا الطلاق تكون الخلافات مع الحماة سببا فيها

أكد المحامي حسان براهمي أن 90 بالمائة من قضايا الطلاق يكون الخلاف مع الحماة السبب الرئيسي فيها أو الحجة والذريعة التي تتخذها الزوجة حتى تعطي لطلب الطلاق حجة وصبغة قوية، فغالبية الملفات التي تعالجها قضايا شؤون الأسرة يكون سببها الرئيسي « الحماة » سواء كانت حقيقة أو مجرد تهم مفبركة وحالات نادرة لم تكن طرفا فيها وهي عندما تكون أم الزوج متوفاة، وأضاف المحامي جل الزوجات المقيمات في المنزل العائلي لا يطلبن الطلاق بصيغته المباشرة  بل عن طريق العدالة بتوفير سكن مستقل أثاثا ومعاشا، وهو حق شرعي مذكور في المذهب المالكي الذي يستمد منه قانون الأسرة الجزائري قوانينه، فمن حق الزوجة الاستقلالية في السكن، فلا يدخل عليها غرباء وتمارس خصوصيتها في سرية، ويكون لها ذلك من خلال توفير غرفة نوم، مطبخ ودورة مياه، لكن الإشكالية تكمن في اتجاه بعض الجمعيات النسوية للمطالبة حتى بمدخل مستقل، وهو ما لم يرد في الشرع ولا يوافق عليه القانون. 

جمعية « حورية »: السكن المنفرد من حق الزوجة شريطة الحفاظ على الرابط العائلي

ترى رئيسة جمعية « حورية  » للمرأة عتيقة حريشان، مطالبة الزوجة بسكن مستقل بعيدا عن أهل زوجها، واحد من حقوقها ويضمنه لها الشرع حتى يحظى الزوجين الجديدين بنوع من الاستقلالية، حتى وإن لم تتسبب الحماة في أي مشاكل، فالمنزل المستقل سيضمن لهما الاستمتاع بالحياة حتى ولو لم يكن منزلا فاخرا وأثاثا عصريا فلا تكلف الزوج فوق طاقته.

واستطردت رئيسة الجمعية قائلة بأن الحياة العصرية معقدة خصوصا بعد خروج المرأة للعمل، فالإقامة بعيدا عن العائلة تسمح لها بتنظيم حياتها بالشكل المناسب، أما التواجد مع عائلة كبيرة قد يحول دون تحقيقه ومواصلة ظروف تربية الأولاد أصبحت معقدة جدا وتواجدهم في العائلة الكبيرة سيتسبب حتما في تداخل الصلاحيات بين الأم والجدة، زد على أن الإقامة بمفردهم يمكنهم من حل خلافاتهم الزوجية دون تدخل أطراف أخرى، لكن هذا لا يمنع تقول السيدة حريشان من الحفاظ على العلاقات الأسرية في العائلة الكبرى فهو أمر مهم وضروري لإبقاء الترابط العائلي. 

الشيخ غول: العيش مع الحماة وخدمتها يكسب الزوجة الكثير من الأجر

أوضح الإمام الشيخ جمال غول، عدم وجود أي مانع شرعي لإقامة الزوجة بعيدا عن أهل زوجها ولا يوجد نص شرعي يجبرها على الإقامة معهم، فما هو وارد في هذا المقام هو عرف سائد وهو المحكم، لكن السكن مع العائلة الكبيرة لها إيجابيات وسلبيات وكذا الإقامة في سكن مستقل له سلبياته وإيجابياته.

وذكر الشيخ غول بأن الأطفال الذين ينشؤون في عائلة كبيرة يملكون قدرة على التواصل أفضل من أطفال العائلة الصغيرة، ناهيك عن رعاية الجدين أو أحد الأعمام والعمات في حال غياب الوالدين، وهذه الميزات تؤثر جميعها على الجانب النفسي، ويضيف المتحدث أنه من الناحية الشرعية عندما تكون الزوجة تعيش مع حماتها فتعتني بها وتخدمها فهي تنال بذلك أجرا كبيرا وحسنات عديدة، وفي حال مواجهتها لخلافات مع الحماة وصبرها على ما تلقاه منها، فستؤجر على ذلك أيضا فجزاء الصبر عند الله عظيم.