يحرص الجزائريون، كغيرهم من شعوب العالم على الاحتفال بكل المناسبات الشخصية، المرتبطة بتواريخ عديدة ومتعددة، منها إحياء أعياد الميلاد في أجواء عائلية تختلف دون شك بحسب الامكانيات المادية وظروف المعيشة والقناعة بالاحتفال بهكذا مناسبات أيضا. فهناك من يقيم الأفراح في المنزل أو حتى في قاعات الحفلات والفنادق، وهناك من يكتفي بحفل بسيط وسط العائلة الصغيرة أو الكبيرة، فالمهم هو تخليد هذه المناسبات لأنها أصبحت ضمن أجندة الاحتفالات الخاصة عند الكثير من الأسر الجزائرية.
غير أن هذه المتعة وهذه اللحظات السعيدة التي يحرص الجزائريون على إحيائها بانتظام وبمواعيد دقيقة، يحرم منها العديد من سكان مناطق الجنوب الجزائري، ليس لعدم إيلاء أهمية لهذه المناسبات بل لأسباب لا دخل لهم فيها أصلا، حيث صادفنا عديد الأشخاص الذين لا يحملون في تواريخ ميلادهم سوى سنة المولد فقط، ولا أثر على الإطلاق لليوم والشهر، وهؤلاء عددهم كبير دون شك وغير محدد ببلديات الجنوب الجزائري يسمون عادة بـ »المنسيين »، وهذه الوضعية الاستثنائية جعلت هؤلاء يتجاهلون مصطلح عيد الميلاد في قاموس حياتهم، وإن احتفلوا به فمن باب التقدير النسبي لا أكثر، ففي الوقت الذي يعلم فيه الكثيرون تاريخ ميلادهم باليوم والساعة والدقيقة أيضا، وهم بالتالي يترقبون هذا الموعد بفارغ الصبر سواء هم شخصيا، أو من يهمهم الأمر من قريب أو من بعيد، نجد في المقابل آخرين حرموا ولازالوا يحرمون، من هذه اللحظات المميزة، والسبب يعود إما لأوليائهم الذين نسوا تسجيلهم في سجلات الحالة المدنية مباشرة بعد ميلادهم نتيجة ظروف الترحال بالنسبة للبدو الرحل، كما حدثنا عبد « الغني. م »، الذي روى لنا كيف أن والده في الستينات من القرن الماضي تأخر كثيرا في تسجيله بالبلدية الأصلية، حيث كانت عائلته تقضي صيفها في أم البواقي بالشرق الجزائري، أين ولد، وبعد أن عادت عائلته بعد شهور تنقل والده إلى البلدية مقر إقامته، وقام بتسجيله دون تحديد اليوم والشهر بل بذكر السنة لا أكثر لأسباب لم يعرفها حتى هو شخصيا، ومنذ ذلك الحين وهو يدفع تبعات هذا الخطأ غير المقصود من والده، وهناك أسباب أخرى لذات المشكل وهي غياب الأولياء عن عائلاتهم لشهور في بعض المناطق النائية التي كان الولي فيها يجبر على الابتعاد طويلا عن أسرته للعمل أو لغايات أخرى أملتها ظروف المعيشة الصعبة، وفي هذا السياق حدثنا « الصالح.ق » 58 سنة من إحدى بلديات بسكرة، مؤكدا لنا كيف أن والده كان يعمل في ليبيا، ورغم علمه بميلاد ابنه البكر لم يستطع العودة إلى أرض الوطن، إلا بعد عام ونصف تقريبا، لذلك تأخر في تسجيله في سجل الحالة المدنية، ولأن العديد من الولادات في تلك الفترة، كما قال كانت تتم في المنازل ودون مراقبة صحية، لم يحفظ أفراد الأسرة التي كانت تعاني الأمية تاريخ الميلاد بدقة، لذلك تم تسجيله بتاريخ تقديري لا أكثر أي خلال سنة الميلاد فقط.
كما أرجع البعض هذه الاشكالية إلى بُعد مصالح الحالة المدنية عن مقر الإقامة بالنسبة لعديد العائلات بالجنوب الجزائري آنذاك، كان يجبر تلك العائلات على عدم تسجيل المواليد الجدد أصلا أو تأجيل التسجيل لفترات طويلة، حيث ينتظرون ربما شهورا أو حتى سنوات أحيانا للقيام بذلك، والنتيجة في كل الحالات كانت حرمان الأبناء الذين هم شباب وكهول حاليا من حق معرفة تاريخ دقيق لميلادهم ومن ثم الاحتفال به.