مهزلة.. فضيحة.. عنف وشغب.. هكذا كانت بداية الرابطة المحترفة الأولى للموسم الكروي الجديد 2015 / 2016، أو بطولة « العجائب » كما تسمى، خلال الداربي العاصمي بين مولودية الجزائر وشباب بلوزداد الذي انتهى كما بدأ صفر مقابل صفر على طول الخط، وشهد أحداث مأساوية أقل ما يقال عنها أنها كارثة بأتم معنى الكلمة.
حافظت مباريات الرابطة المحترفة على تقاليدها في الموسم الجديد، حيث ميز لقاء الافتتاح بين مولودية الجزائر وبلوزداد بملعب عمر حمادي بولوغين، أعمال عنف كان بطلها أنصار الفريقين أثناء المباراة وعقب نهايتها، من خلال التراشق بالألعاب النارية « الفيميجان » والحجارة، سب وشتم وشجارات عنيفة امتدت حتى لتحطيم ممتلكات الشعب والدولة خارج أسوار الملعب.. هذا كله أمام صمت رهيب للمسؤولين وغياب كلي لوسائل الردع، وخاصة الوعي من طرف بعض المشجعين « الفوضويين »، ما أدى بشكل رهيب إلى تنامي ظاهرة العنف، التي باتت تنخر جسد الكرة الجزائرية، ما حدث بين جارين في لقاء أمس الأول، يجعلنا نطلق صافرات الإنذار مبكرا تفاديا لموسم كارثي آخر على الأبواب، وأيضا لتفادي وقوع وتكرار نفس السيناريوهات السابقة التي عهدناها وعايشناها في المواسم السابقة، ولعل أبرزها سقوط ووفاة مهاجم شبيبة القبائل، الكاميروني البير إيبوسي الموسم الماضي بملعب أول نوفمبر، وهي الحادثة التي شوهت سمعة الكرة الجزائرية.
أنصار بلوزداد رشقوا « الشناوة » بالفيميجان
كل شيء كان عاديا قبل وأثناء المواجهة، إلى غاية الدقيقة الـ80 من المواجهة، حين أقدم أنصار شباب بلوزداد على إشعال الألعاب النارية، ورميها باتجاه المدرجات الخاصة بأنصار مولودية الجزائر وفوق أرضية الميدان، ما دفع رجال الأمن يقومون بمحاولة تفريقهم قصد القبض على حاملي « الفيميجان » والمتسببين في الفوضى، ما جعل العديد من المشجعين حتى القلائل العقلاء منهم والذين كانوا بعيدين عن الأحداث يتعرضون لكسور وجروح أمام تدافعهم ومحاولتهم الفرار من عصا « الشرطة ».
أنصار المولودية يردون.. ومشجعون يناشدون الحماية
بعد حوالي 10 دقائق من الأخذ والرد بين أنصار بلوزداد ورجال الأمن.. عادت الأمور إلى نصابها وأخذ أغلبية المشجعين أماكنهم لإكمال متابعة اللحظات الأخيرة من المواجهة التي أضحت لا حدث أمام تصرفات الأنصار التي شدت الانتباه أكثر منها، وفي وقت كان الجميع يظن أن الفيلم انتهى، خادع أنصار المولودية رجال الأمن وأنصار الشباب وأشعلوا بدورهم كما هائلا من الألعاب النارية ورشقوا بدورهم « أبناء لعقيبة »، حتى كادت إحداها أن تسقط قتيلا في المدرجات بعد أن أصابته في الظهر، ولولا لطف الله لحدث ما لا تحمد عقباه، وجميع المشجعين في ذلك الوقت ناشدوا رجال الحماية المدنية التدخل لنقل عدد معتبر من المصابين والجرحى إلى أقرب مستشفى.
الشغب يتواصل خارج أسوار الملعب
لم تتوقف الأمور عند هذا الحد، بل تواصلت أعمال العنف حتى خارج أسوار ملعب بولوغين « الضيق »، حيث تم تحطيم بعض إشارات المرور وممتلكات المواطنين القاطنين بالقرب من الملعب، كما حدثت بعض التجاوزات والشجارات بين المشجعين فيما بينهم، والتي تواصلت طوال الطريق المؤدي من ملعب عمر حمادي ببولوغين إلى المديرية العامة للأمن الوطني، حيث تم هناك التحكم أكثر في الوضع من طرف رجال « الشرطة » وتم تفريق المشجعين.
اللاعبون يخضعون للتفتيش.. من أين جيء بالفيميجان ؟
في ظل الإجراءات الأمنية المشددة التي تم فرضها خلال المواجهة وأثناء دخول المشجعين، تساءل العديد من الحاضرين وحتى مسيرو الفريقين واللاعبون من كيفية تمكن الأنصار من إدخال الفيميجان إلى المدرجات من الجانبين..
قائد تشكيلة مولودية الجزائر كان من بين هؤلاء الذين استفسروا وطرحوا السؤال بعد نهاية اللقاء، حيث لم يتردد في القول: « إنها كارثة وفضيحة يندى لها الجبين ولا تشرف تماما سمعة الكرة الجزائرية.. بكل صراحة أتساءل كيف تم إدخال الألعاب النارية، عيب كبير ما حدث في لقاء اليوم.. لقد تم تفتيش الحافلة التي أقلتنا وتفتيش كل العتاد وحقائبنا ومستلزماتنا قبل الدخول.. كانوا يظنون أن اللاعبين يساهمون في إدخال « الفيميجان ».. حين وصل الأمر إلى هذه الدرجة فإنها الكارثة »، مضيفا: « بما أنه تم تفتيش اللاعبين لماذا لم يتم تفتيش بقية الأشخاص الذين كانوا بالملعب؟ وكيف تم السماح للأنصار بإدخال الألعاب النارية؟ ».
خطاب الروح الرياضية لم يسمعه إلا من تلاه
بعد كارثة مقتل إيبوسي وما حدث من تجاوزات عنيفة الموسم الماضي، جعل الرابطة تتحرك نسبيا في محاولة منها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال اتخاذ بعض الإجراءات للقضاء على العنف، من بينها تلاوة بيان من طرف قائدي الفريقين على الأنصار لنبذ العنف وإضفاء جو أخوي بين المشجعين وإرساء مبادئ الروح الرياضية، وهذا ما حدث في « الداربي »، ولكن للأسف فإن الرسالة لم تصل ولم يسمعها أصلا سوى من قرأها بسبب ضعف مكبرات الصوت أمام أهازيج الأنصار العالية.
هذه هي ضريبة تحويل اللقاء إلى بولوغين
وتبقى الرابطة المحترفة لها ضلع كبير فيما وقع بملعب بولوغين، بسبب تلاعبها بمشاعر الأنصار والمشجعين.. من خلال إعلانها مسبقا أن اللقاء سيلعب في ملعب 5 جويلية الأولمبي قبل أن تتراجع وتصدم الجميع ببرمجة المباراة بملعب عمر حمادي في الأسبوع الأخير.. لتدفع الثمن غاليا في النهاية بسبب الأحداث المأساوية، وهي النقطة التي تأسف عليها الكثيرون وجعلهم يصبون جام غضبهم على الرئيس محفوظ قرباج، الذي نال نصيبه من الشتم في اللقاء، رغم أن الأخير نفض يديه من قضية ملعب 5 جويلية وأرجع الأمر إلى قرار والي العاصمة عبد القادر زوخ، ومن غير المستبعد أن تكون مواجهة شباب بلوزداد أمام أمل الأربعاء خلال الجولة الثانية الأسبوع المقبل بملعب 20 أوت أولى مواجهات الموسم الجاري التي ستجرى دون جمهور وفق عقوبة جديدة، قبل أن تتبعها مواجهة العميد بميدانه في الجولة الثالثة.
6 ساعات انتظار.. لا ماء ولا مؤونة
إذا تحدثنا ولمنا المناصر من جميع النواحي دون الدفاع عنه ولو قليلا، فإننا سنظلمه لا محالة، كيف لا وهو الذي يبقى يعاني في كل مرة بالملاعب الجزائرية، فبملعب عمر حمادي مثلا تم فتح الأبواب 6 ساعات قبل بداية اللقاء وظل الأنصار، خاصة الجالسين في المدرجات غير المغطاة، يواجهون الصعاب وأشعة الشمس الحارقة تحت درجة حرارة تفوق الـ35 درجة مؤوية ورطوبة عالية تتجاوز الـ80 بالمائة دون ماء يروون به عطشهم الشديد، لعدم توفر هذه المادة الضرورية بالمدرجات، لا هي ولا شيء آخر.. الأنصار قهروا حقا وتصرفاتهم في نهاية اللقاء لم تكن سوى ردة فعلهم عن الضغط الذي عاشوه، لا نقول هذا الكلام من باب تبرير تصرفات المشجعين « الطائشة » ولا حتى من باب التحريض على العنف، ولكن من باب إيصال الصورة إلى المسؤولين من أجل تحريك ضمائرهم للنظر في القضية والإسراع في تشييد الملاعب الجديدة وملاعب أخرى لتخفيف الضغط ووضع المناصر البسيط في أفضل الظروف.
غياب العرض.. أداء هزيل والحجة بداية الموسم
فضلا عن ذلك، فإن غياب العروض والفنيات فوق المستطيل الأخضر من طرف الفريقين وأداء اللاعبين الهزيل، زاد الطين بلة ونرفز المشجعين أكثر، في وقت ظلت فيه الحجج الواهية التي ألفنا سماعها في كل موسم تطغى على تصريحات اللاعبين والمسيرين، « نحن في بداية الموسم..وبعد 5 جولات سترون الوجه الحقيقي للفريق »، « الحظ خاننا وسنعوض في المواجهات المقبلة »، « الحرارة أثرت علينا وكنا نأمل في لعب اللقاء بـ5 جويلية »، هكذا صبت مجمل تصريحات اللاعبين في نهاية اللقاء.
رايسي: ملاعب العاصمة لا تصلح لإجراء مباريات كرة القدم
أكد رئيس مجلس إدارة مولودية الجزائر عبد الكريم رايسي أن ملاعب العاصمة لا تصلح لممارسة كرة القدم، رافضا التعليق على ما حدث من تجاوزات خطيرة في المدرجات، في لقاء فريقه أمام شباب بلوزداد، أمس الأول، بملعب عمر حمادي ببولوغين.
وقال رايسي عقب نهاية المواجهة في تصريح للصحفيين: »ما عدا ملعب 5 جويلية الأولمبي فإن جميع الملاعب المتوفرة في العاصمة لا تصلح بتاتا لممارسة كرة القدم..إنها كارثة ولن أعلق على ما حدث في المدرجات »، مضيفا: « كما نتمنى اللعب في 5 جويلية، القرار خارج عن نطاقنا.. بعض الظروف جعلت السلطات المحلية تغير الملعب، وكنا مجبرين على الاستقبال ببولوغين ».
وأوضح رايسي أنه راض جدا على التعادل المسجل، مشيرا إلى أن الفريق سيتحسن في الجولات المقبلة، لاسيما بعودة صلاح الدين ودرارجة
الشروق.