خلال برنامج تلفزيوني شاركت فيه بتاريخ 28 ديسمبر 2014، صرّحت بأن الجزائر لن تنظم كأس أمم إفريقيا 2017؛ لأسباب ذكرتها وأخرى تحفظت عن ذكرها إلى غاية الإعلان عن البلد المنظم. وبعد وقوع الصدمة تلقيت اتصالات كثيرة جداً من زملاء إعلاميين يسألون عن الأسباب الخفية وراء حرمان الجزائر من احتضان الدورة، ولكنني التزمت الصمت حتى لا أزيد من حجم الصدمة على الجزائريين الذين صار تنظيم الدورة حلماً بالنسبة إليهم؛ بعدما تحطمت كثيرٌ من أحلامهم، وعاشوا طيلة أشهر كذبة كبيرة اسمها « ملف قوي »، ملاعبه ليست جاهزة بعد سنوات من انطلاق الأشغال.
عيسى حياتو، الذي لا ترفض له أوامر، أقنع أعضاءه بحجج معروفة لدى الجميع، وبرّر لهم ضرورة اختيار الغابون لخمسة عوامل سبق أن تناولتها وسائل الإعلام:
1- مقتل اللاعب الكامروني إيبوسي في تيزي وزو؛ كدليل على غياب الأمن في الملاعب الجزائرية!
2- رفض السلطات الجزائرية تعويض المغرب واحتضان كأس أمم إفريقيا 2015، وإنقاذ الكاف من أزمة كبيرة وقعت فيها وكادت أن تدفع بها إلى نقل الدورة خارج القارة السمراء!
3- عدم احترام السلطات الجزائرية التزامات رئيس الفاف مع أعضاء اللجنة التنفيذية للكاف الذين كانوا اتفقوا على منح الكامرون دورة 2019، وكوت ديفوار 2021، وغينيا 2023، على أن تمنح للجزائر دورة 2017، ولكن الجزائر أخلطت الأوراق بترشحها لمنافسة الكامرون وكوت ديفوار!
4- تخوّف عيسى حياتو من تصاعد نفوذ روراوة، وإدراكه أن احتضان الجزائر دورة 2017 يصادف إجراء انتخابات رئاسة الكاف، وبالتالي إمكانية ترشح رئيس الاتحاد الجزائري وإطاحته بإمبراطوريته.
5- عدم جاهزية الملاعب الجزائرية مقارنة بنظيرتها في الغابون على غرار ملعب براقي، والصور التي ينقلها التلفزيون أسبوعيًا عن أعمال الشغب والعنف وإلقاء الشماريخ في الملاعب الجزائرية، حتى إن الحارس الدولي دوخة كاد يلقى حتفه في البويرة عشية التصويت إثر رشقه بالحجارة.
بعيدًا عن هذه الأسباب التي أقنع بها حياتو طاقمه؛ فإن ما كنت أعرفه هو أن أطرافا في السلطة الجزائرية هي التي لم تكن في البداية ترغب في احتضان دورة 2017، بحجة أنها لن تكون جاهزة، لذلك ترشحت لاحتضان دورتي 2021 و 2023، وهو ما اعتبره حياتو إخلالاً بالاتفاق بينه وبين محمد روراوة الذي وجد نفسه في موقع حرج.
كنت أعرف أيضا أنه في تلك الأثناء استغل الرئيس الغابوني الموقف وراح يلتقي حياتو في البرازيل على هامش كأس العالم، ويقدم مساعداته للكاف وغينيا الاستوائية لتنظيم كأس أمم إفريقيا الأخيرة، وتمكن من حشد دعم حلفائه الفرنسيين، ودعم أعضاء اللجنة التنفيذية الذين يأتمرون بأوامر حياتو دون غيره.
الرئيس الغابوني التقى مجددًا حياتو في غينيا الاستوائية لمدة أكثر من ساعتين، والتقاه في باريس، وانتزع منه ضمانات، في وقت كانت السلطات الجزائرية في سبات عميق، على الرغم من التقارير التي كانت تصلها بخصوص كل التحركات، ولكنها لم تتحرك في الوقت المناسب لأنها كانت منشغلة بأمور أخرى، وحتى عندما أبدت رغبتها في الترشح وبدأت في التحرك طغى عليها عدم الانسجام والتنسيق بين هياكلها رغم إدراكها حاجتها إلى تنظيم الدورة من أجل ربح مساحة زمنية من السلم الاجتماعي وإلهاء الناس عن المشاريع التي تخطط لها للاستمرار في الحكم.
معركة « كان 2017 » لم نخسرها في القاهرة، بل من زمان في البرازيل وغينيا الاستوائية وباريس، والرئيس الغابوني هو الذي صنع الفارق وليس عيسى حياتو، والسلطات الجزائرية لم تفعل شيئًا، أو بالأحرى لم يقدر محيط الرئيس على التحرك لأنه لا يحسن المكر والتحايل والكولسة إلا مع الجزائريين في الداخل، كما أن الجزائر فقدت مصداقيتها وفقدت هيبتها، ولم تعد قادرة على إسماع صوتها قاريًا، ولو كانت تتمتع بالسمعة والهيبة لوصلت إلى حد مطالبة الغابون بسحب ترشحها لصالح الملف الجزائري عوض الاكتفاء باستقبال حياتو من طرف الرسميين لأخذ الصور معه، ثم إطلاق تصريحات متفائلة ووعود كاذبة للاستهلاك المحلي.
أفضل أن أتوقف عند هذا الحد حتى لا أحرج الرجال، ولا أسيء إلى بلدي، ولا أساهم في إحباط المزيد من المعنويات؛ مثلما التزمت الصمت وعدم التعليق على الخيبة الكبيرة بعد وقوعها، لأنني أتحلى بقدر من المسؤولية الأخلاقية والمهنية أكثر بكثير من أولئك الذين أوكلت إليهم مسؤولية الدفاع عن مصالح وطن بحجم الجزائر؛ فوّتوا عليه فرصة احتضان الدورة والتتويج باللقب، لأنهم فاشلون داخليًا وخارجيًا، ولا يهمهم سوى البقاء في السلطة على حساب سعادة الجزائريين!