ع أيام الصيف الطويلة في ولايات الجنوب، تتوجه أنظار السكان الجزائريين نحو « التيرموميتر »، وهذا من أجل معرفة درجة الحرارة الحقيقية، خصوصا وأن أغلبهم لم يعد يثق في النشرات الجوية، والتي لا تتجاوز الحرارة فيها 45 كأقصى درجة، ونادرا ما تصل إلى 47 درجة في أسوأ الحالات، بينما لا تنخفض هذه الدرجة في المواقع والمراصد العالمية عن 50 وحتى 55 درجة تحت الظل، وهذا ما صارت تكشفه التكنولوجيا الحديثة وشبكة الأنترنت.
أغلب مناطق الجنوب وبالأخص منطقة ورڤلة، تڤرت وحوض وادي ريغ إضافة إلى جانت، رڤان، برج باجي مختار وعين صالح، صار المواطن يعاني فيها الويلات من هذه الحرارة التي كان أقصاها كما أعلنته مصالح الأرصاد الجوية 48 درجة السنة الماضية، بينما تؤكد عديد المراصد الأوروبية وحتى أجهزة القياس الحديثة أنها تجاوزت 55 درجة في الظل.
وبما أن قوانين العمل الدولية تنص على منح العمال عطلا رسمية ومدفوعة الأجر، إضافة إلى توفير المياه والكهرباء في حال بلوغ درجة الحرارة 50 درجة مئوية، كون المنطقة تعتبر منكوبة، فالجزائر كغيرها من الدول العربية تتهرب من هذا الموضوع لتعلن درجات حرارة منخفضة عن الدرجة الحقيقية .
ولكن تطور التكنولوجيا وتوفر أجهزة القياس الحديثة بكل يسر جعل المواطن في مناطق الجنوب يدرك بسهولة الدرجات الحقيقية، وهي التي وصلت حسب أجهزة القياس الإلكترونية في الثلاثة أيام الأولى من شهر رمضان 54 درجة تحت الظل السنة الماضية، مرفقة برياح (الشهيلي)، وهي الرياح التي تحمل هواء ساخنا يلفح الوجوه، ما شكل معضلة وخوفا كبيرا لهم، وهو الخوف من عدم احترام مؤسسة سونلغاز لوعودها بعدم تكرار الانقطاعات الكهربائية، إذ أن انقطاع الكهرباء في ساعات الذروة يعتبر »تعذيبا » للصائمين، ليزيدهم انقطاع المياه أو شحها في حنفيات أغنى منطقة بالمياه الجوفية، حيث أن الجيوب الجوفية في الجنوب الشرقي تعتبر من أكبر خزانات المياه العذبة في العالم من مأساتهم بالنظر إلى السنوات الماضية التي أضحت فيها قطرة المياه أغلى من البترول.
عمال الشركات البترولية والصيف.. قصة معاناة لا تنتهي
عمال الشركات البترولية خصوصا في أحواض حاسي مسعود، وعين أمناس كغيرهم يقضون فصل الصيام في العمل، رغم لهيب الأجواء، ولكن حالاتهم تختلف، فالعاملون في المكاتب يجابهون الحرارة بالمكيفات .
أما العاملون في الأحواض البترولية وحفارات استخراج النفط فلهم حكايات وروايات مع الصيف، وجلوسك مع بعضهم يجعلك تسمع من القصص ما يشعرك بالعطش، ويكاد يبكيك من حجم المعاناة، وحين تسألهم عن سبب صبرهم تكون نفس الإجابة « خبزة الذراري »، فحمل هموم عائلاتهم هو مفتاح صبرهم الوحيد وحافزهم الأوحد لمكافحة حرارة جو وصيام يزيدها لهيب نيران حقول النفط سعيرا، رغم أن البعض لم يخف عدم مقدرته وإفطاره أكثر من مرة بسبب عدم مقدرته على التحمّل، والبعض الآخر أكد أن إفطاره كان نتيجة وصوله إلى حافة الهلاك، بينما البعض الآخر يعترف صراحة أنه أفطر كونه غير متعوّد على أجواء مثل هذه، خصوصا بالنسبة للقادمين الجدد لحقول النفط والغاز، والذين صدموا لصعوبة الأجواء في »صحراء الجزائر ».
عمال آخرون حكوا معاناة زملاء سابقين لهم فقدوا حياتهم جراء الحرارة، إذ حكى لنا أحد العمال السابقين في حقول النفط عن قصة زميل له فقد حياته بعد أن ارتشف آخر قطرة ماء في حياته، العامل أكد أن زميله لم يحتمل درجة الحرارة العالية، ولكن عمله في الحفارة، وارتفاع درجة الحرارة أنهكاه ليقرر ارتشاف بعض المياه بعد أن لم يعد قادرا على المقاومة، إذ توجه نحو أحد العمال الأجانب وأخذ منه قارورة مياه، وما كاد أن يكمل جزءا يسيرا منها حتى سقط مغشيا عليه ..
التائهون في الصحراء لهم نصيب
حتى المسافرين، لهم نصيب من لهيب الجنوب في رمضان، فعدد كبير من العمال في مجال النقل، أو المواطنون الذين يقررون السفر في الحر، بين المدن الصحراوية التي تربط بينها مسافات كبيرة تصل إلى 800 كلم قد يجدون أنفسهم ضحايا، خصوصا الذين يرفضون حمل الزاد من المياه فكثير منهم خصوصا من لا يعرف الطرقات يفقد حياته بسبب التوهان في أرض مفتوحة دون معالم.
ولكن الضحية الأكبر يبقى المهاجرون الأفارقة الذين يسعون « للحرڤة » دون معرفة تفاصيل الجنوب، إذ يجدون أنفسهم مفقودين دون أكل أو شرب، لتنتهي بهم الحياة قتلى بين عطشى أو مصابين بضربات شمس جراء الحرارة العالية واللهيب الكبير للأجواء، لتبقى صحراء الجزائر صيفا صعبة، ولكن مع الصيام تتحول إلى منطقة محرمة بعيدا عن المدن أو المناطق المعمورة بالسكان
الشروق.