“الأزمة المالية الحالية وما سيترتب عنها من تضييق على معيشة الجزائريين، أفضل من العودة إلى عشرية الارهاب”، تبدو هذه هي الرسالة التي أراد القائمون عل التلفزيون الحكومي تمريرها، من خلال البث المستمر عل مدار الايام الماضية، لمشاهد التقتيل والتنكيل بالأطفال والنساء، بمناسبة مرور 12 سنة عل تنظيم استفتاء “السلم والمصالحة الوطنية” (29 سبتمبر 2005).
لم يسبق للتلفزيون أن وضع تركيزه عل سياسة المصالحة، بالحدة التي لاحظها مشاهدوه هذه الايام. فقد جرت العادة، كل سنة، الوقوف عند الذكرى بالحديث عن “فضائل مشروع المصالحة وأثره في عودة الطمأنينة والاستقرار”، وعن “أفضال صاحب المشروع على الجزائر”، الذي هو الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (طبعا). كما جرى تقديم نماذج عن “نجاح المصالحة”، من ضمنها “تائبون عن الارهاب” عادوا إلى الحياة العادية. ولكن كان دائما يتم التغاضي عن قضية رفض عائلات المفقودين، الاستفادة من التعويضات في إطار المصالحة، وإصرارها على إظهار الحقيقة حول مصير ذويها والقصاص ممن كان سببا في اختفائهم إل الأبد.
هذه المرَة تعمد أصحاب فكرة برنامج “ذكرى وعرفان”، إثارة الصدمة لدى المشاهدين، عبر مشاهد الأشلاء المتناثرة لأطفال (مشاهد من مقبرة بمستغانم قتل فيها أطفال الكشافة الاسلامية إثر انفجار قنبلة عام 1996)، ومشاهد أخرى لبكاء رجال وعويل نساء فجعوا في فقدان أبنائهم وآبائهم وأقاربهم ومعارفهم. وتخللت مشاهد الرعب والدموع والدمار، خطب الرئيس بوتفليقة (تفوح شعبوية) أثناء الترويج لسياستي الوئام (1999) والمصالحة، وهي رسالة ثانية مفادها أن “صاحب الفضل في طي صفحة الآلام هو الرئيس”. هي تقريبا نفس الرسالة التي رددها الموالون لبوتفليقة في حملة انتخابات 2014، عن طريق المقارنة بين الأوضاع في ليبيا والأوضاع عندنا، فكان معناها “إما ان تقبلوا بعهدة رابعة أو سيلتهمكم داعش الذي سيزحف عليكم من الجارة ليبيا”.
فكرة بث صور مرعبة عن فترة الارهاب، مرتبطة على الأرجح بالأزمة المالية الخانقة ومخاوف السلطات من ردود فعل شعبية عنيفة، ضد خياراتها الكارثية في مجال تسيير الاقتصاد التي أوصلت البلاد إلى حالة شبه إفلاس. والهدف من ذلك هو تخويف الجزائريين إن هم فكروا في الخروج إلى الشارع للاحتجاج، ضد مزيد من تدهور المعيشة الذي ينتظرهم في المستقبل، لأنهم إن فعلوا ذلك سيفتحون على أنفسهم باب جهنم من جديد. والمحصلة، حسب منظور أصحاب فكرة هذا البرنامج التلفزيوني، أن الجزائريين مطالبون بالنظر في مرآة عشرية الارهاب ليقتنعوا بأنفسهم بان الندرة وشد الحزام، وحتى الفقر والجوع، أفضل لهم من أن يعيشوا من جديد فظاعة الارهاب.
tsa