هي أستاذة جامعية وهو طباخ في مطعم الجامعة، وتلك طبيبة وهو بناء في إحدى الورشات، وأخرى صيدلانية وهو سباك عند الخواص، هي زيجات غير متوافقة على المستوى العلمي، ولكن ظروفا ما تدخلت لتجمع تحت سقف واحد، امرأة أنهت دراستها العليا برجل فشل في اجتياز البكالوريا أو شهادة التعليم الأساسي، ورغم أن كل شيء تم برضا الزوجة التي تمتلك كل ما يجعلها حرة في اختيار هذا الرجل، إلا أن سيلا من الخلافات والمشاكل يجرف الحياة الزوجية إلى حافة الانهيار، لعل أبرزها شعور الزوج بالنقص أمام زوجة تفوقه علما وراتبا شهريا، وصعوبة الحوار بين طرفين، أحدهما يستند إلى المنطق العلمي، والآخر يتكئ على المنطق الاجتماعي.
هل تجتمع الدكتوراه بالتجارة؟!
ورغم أن معظم الزيجات التي تكون فيها الزوجة متفوقة على زوجها من حيث المؤهلات العلمية لم يتحقق فيها الاستقرار النفسي والأسري لهذا السبب، إلا أن هذا النوع من الارتباط آخذ في الانتشار في مجتمعنا وفي كل المجتمعات العربية بسبب قلة فرص الزواج بالنسبة للمرأة التي تنفق سنوات طويلة في الدراسة لتجد نفسها قد شارفت على الثلاثين أو اقتربت من الأربعين أو تعدته، لتبدأ في البحث عن زوج « تنزل » له من « فوق » ليحقق لها الاستقرار العاطفي الذي تنشده كل امرأة متجاهلة مستواه التعليمي الذي لا يصبح بعد وصولها إلى السن الخطر في عرف المجتمع، من الأولويات التي تتمسك بها، ومن ذلك فتاة تبلغ من العمر 38 سنة، حائزة على الدكتوراه، ورغم أن والديها ليس من محبي المال والمظاهر كما تقول، ولكنهما يريدان لابنتهما زوجا مثقفا مثلها، لذلك وجدت صعوبة في مفاتحتهما في أمر شقيق صديقتها الذي تقول عنه إنه إنسان محترم ومتدين، ولكن لديه مستوى ثانوي ويشتغل في التجارة، وتخشى إذا وافقت عليه أن يؤثر المستوى الدراسي بشكل سيء على حياتهما الزوجية.
شعور بالنقص
وقبل أن تخوض التجربة، وتورط نفسها في زواج رسمي، قررت « سحر » أن تنهي علاقتها بخطيبها، حيث تقول « أنا فتاة جامعية، أنهيت دراستي تخصص علم النفس، كنت مخطوبة لنجار توقف عن مزاولة الدراسة في التاسعة أساسي، في بداية الأمر كان يبدو لي مثقفا، ومع الوقت صرت أجد صعوبة في النقاش معه، حيث أنه يتحسس من كل كلمة أقولها رغم أنى لا أقصد من ورائها ما يسيء، ثم أصبح يصفني بالمتكبرة ويوجه لي كلاما جارحا، وكنت أقول في نفسي، لو كنت حقا كذلك لما قبلت بك أصلا »، وتضيف « انحرفت العلاقة عن مسارها الطبيعي، حيث أصبح كل همه أن يهينني وينتقص من قيمتي، وهو ما لم أحتمله لأني لم أتعود على ذلك، ووصل الأمر إلى أبعد وأخطر مما تصورت، ولذلك فسخت خطبتي ».
الطريق إلى التقارب العاطفي
وترى « س » أن التقارب الثقافي والعلمي بين الزوجين أحد أهم أسباب الاستقرار العاطفي والاجتماعي، لأن لغة الحوار بينهما تكون سهلة وواضحة ومقنعة، ولكنها تصعب عندما يكون الزوج أقل مستوى من زوجته، خاصة إذا كان رجلا حساسا، فنجده دوما في معاندة زوجته ومتهما إياها بالتعالي، وكثيرا ما ينعكس هذا الأسلوب في التفكير على تربية الأبناء وعلاقتها بأهله، مضيفة في سياق الحديث، أن إحدى زميلاتها في المعهد التكنولوجي للتربية بقسنطينة، قالت جملة تختصر الموضوع برمته: « لا أتصور نفسي متزوجة من رجل لا يعرف الخلية » بحكم أنهما كانتا تدرسان فرع علوم طبيعية، حينها تقول ضحكنا كثيرا واستبعدت الفكرة لحظتها، لكن بعد زواجها من رجل مستواه قريب من مستواها التعليمي، رأت صدق كلامها، لأنها تعتقد أن التفاهم الكبير بينها وبين زوجي، سببه التقارب العلمي بينهما.
محاولة لرفع المستوى
ولا يبدو الأمر في كثير من الأحيان مناسبا أو مقبولا، عندما يكون الفارق العلمي بين الزوجين كبيرا لدرجة أن الزوجة تحتقر زوجها لتدني مستواه، أو تجعل الزوج يحقد على زوجته التي أشعرته بأنه أقل منها شأنا، خاصة إذا لم يكن يتمتع بمؤهلات أخرى أو مواهب تحسن صورته أمامها، ومن ذلك مع حدث مع طبيبة، اختارت أن تتزوج من سائق سيارة أجرة بعدما تقدم بها العمر ولم تحظى بمن هو في مستواها العلمي، فتعرضت لكل أنواع الاهانة والضرب والاستغلال لأن زوجها كان يشعر بأنها أفضل منه.
وحتى تبعد عن نفسها الإحساس بأنها تورطت في زيجة ليست من مستواها، وحتى لا تشعر زوجها بأنه أقل منها، قامت طبيبة في إحدى المدن الداخلية بتخصيص جزء من عيادتها لزوجها الراقي لاستقبال المرضى الذين كانت تحثهم على متابعة العلاج الروحي عنده.
مهم ولكن..
صحيح أن التكافؤ العلمي بين الزوجين أمر مهم لحدوث الاستقرار الزوجي، ولكن وصول المرأة المتعلمة إلى سن فقدت معه فرصة الاختيار، أو وجدت توافقا عاطفيا مع رجل ليس من مستواها، يجعلها مضطرة للتنازل عن الجانب العلمي في سبيل تكوين أسرة، أو الزواج بمن تحب، ومهم لهذه المرأة أن تدرك أن عدم امتلاك الزوج لمستوى تعليمي كبير مثلها، لا يعني أنه رجل سيء، كما لا يعني أن الرجل المتعلم جيد بالضرورة، فربما عوض مستواه الدراسي بالأخلاق والمروءة والتفوق في مجالات عملية أخرى، وعلى الزوجة الذكية أن لا تشعر زوجها بأنها أفضل منه تلميحا أو تصريحا أو من خلال تصرفاتها وسلوكها، مع التركيز على نقاط قوته وايجابياته لتستمر الحياة بدون منغصات.