انتشرت في الآونة الأخيرة موضة جديدة غزت عددا من المطاعم ومحلات بيع المثلجات، تتعلق بتخصيص قاعات انفرادية للملتزمين والنساء المنقبات وتوفر لهم حرية في التصرف بعيدا عن نظرات الغرباء.
وعلى قلة هذه الأماكن ومحدوديتها، إلاّ أنّ الإقبال عليها يزداد يوما بعد يوم، حتى إنّ من الزبائن بشهادات أصحاب المحلات من يحجز مكانه مسبقا عن طريق الاتصال بالهاتف. وتنتشر هذه المحلات في العديد من الولايات على غرار العاصمة وبومرداس وسطيف ومستغانم.
وتسود هذه المطاعم طقوس خاصة في التعامل مع زبائنها المتدينين، منها غض البصر وتقديم الأكل من خلف الستار وتكليف أشخاص على قدر عال من حسن السلوك لخدمة هؤلاء، فضلا عن تقسيم قاعات استقبال الزبائن إلى قاعات عائلية وأخرى مختلطة تجنبا لأي احتكاك مع الفئات الأخرى لما قد يخدش الحياء أو يمس بالأخلاق العامة حسب تبريرات العوائل والتجار.
« الشروق » تنقلت إلى بعض هذه المحلات ودردشت مع القائمين عليها، حيث وقفنا على استحسان كبير للزبائن لهذه القاعات والغرف التي باتت مطلبا أيضا لبقية الفئات لما توفره من أريحية وحميمية.
« الشروق » تزور المحلات وتتحدث مع أصحابها
في هذا السياق، أكّد صاحب محل « المنار »، بدرارية أن استحداث قاعة منفردة جاء من منطلق توفير الأريحية للزبائن، نظرا إلى بعض التجاوزات التي لاحظوها من قبل الكثير من الشباب، مضيفا أنّ أغلب المحلات تنقسم قاعاتها إلى قاعات عائلية وأخرى مختلطة.
وكشف محدثنا أنه حدث في العديد من المرات أن طرد أشخاصا من المحل لتسببهم في إزعاجات وتجاوزات غير أخلاقية، بعد عدم استجابتهم للإعذارات الموجهة إليهم بطريقة سرية ومهذبة.
وتتعلق هذه التجاوزات بطريقة الجلوس أو الكلام أو الإيماءات والحركات، وغيرها من التفاصيل الأخرى.
وتطرّق المتحدث إلى جزئية بسيطة لكنها مهمة جدا، ففي السابق كانت جدران القاعة مزينة بالمرايا لكن لأنها تعكس الأشخاص تم تغيير الديكور احتراما لخصوصية الناس.
وأجمع من تحدثنا إليهم من التجار أن خدمة هذا النوع من الزبائن تكون حسب نوعيتهم، فمنهم من يفسح للنادل المجال لتقديم الأكل على الطاولة ومنهم من يستلم عنا طلبه بنفسه من خلف الستار، وفي كل هذا يختار من بين النوادل أكبرهم سنا وأحسنهم سلوكا.
الحجز بالهاتف والأولوية للملتزمين والمنقبات
وحسب القائمين على مطعم الأندلسيات والمنار بدرارية، فإن القاعة المنفردة تحولت إلى مطلب من قبل كثير من الناس والعائلات غير أن الأولوية تمنح للملتزمين والمنقبات لخصوصيتهم.
وقال المتحدث « الفكرة أعجبت الكثير من الزبائن إلى درجة أن القاعة أصبحت تحجز من قبل بعض الزبائن الأوفياء عن طريق الهاتف، وعندما تكون مشغولة يترك الشخص رقمه أو يأخذ رقم المحل لنتصل به بعد لحظات فور جاهزيتها وحينها يكون مع أسرته أو زوجته في السيارة ينتظرون دورهم ».
ويضيف « في إحدى المرات ألزمنا أعوان المراقبة بتغيير مكان الاحتفاظ باللحم وإخراجه من المطبخ ففكّرت في استغلال القاعة، لكن لما رأيته من استحسان من قبل الزبائن فضّلت أن أستأجر محلا آخر قريبا على أن أتخلى عن القاعة التي اعتاد عليها الزبائن، لأن الأماكن المخصصة لهؤلاء محدودة وأنا أتفهم طبيعتهم المحافظة ».
صاحب مطعم المنار أسرّ لنا بفكرة راودته منذ نحو 5 سنوات لإنجاز مشروع في هذا الاتجاه على غرار ما هو موجود في عدد من دول الخليج، لكن مساحة تنفيذ المشروع لم تكن متوفرة، وهي فكرة منتشرة بدرجة كبيرة في عدد من دول الخليج وحققت نجاحا جيدا.
لهذه الأسباب يقبل « الإخوة » على القاعات المنفردة
تتعدد الأسباب التي تدفع بعض الملتزمين إلى الإصرار على اصطحاب أهلهم إلى هذا النوع من المطاعم وبالتحديد القاعة المنفردة، حيث أوجز لنا البعض الأسباب في رغبة الزوجة التي تفضل من حين إلى آخر كسر الروتين المنزلي وهو ما يعتبرونه حقا مشروعا غير أنهم يرفضون اختلاطها مع الجنس الآخر، وهم بذلك يحاولون الاستفادة من مزايا الحياة العصرية من دون التفريط في الجانب العقائدي المحافظ.
وتعد هذه المطاعم تقليدا لبعض الدول الخليجية، حيث تنتشر بكثرة بدعوى أنها مرجعية في التدين والالتزام، يفصل فيها بين الجنسين ولا يجوز لهما الاختلاط في الأماكن العامة.
وعن هذا يقول أحد الزبائن إنه يفضلها لما تضمنه من احترام وصون لزوجته وبناته حيث يكون مطمئنا من السهام التي ترمقهن بها عيون بعض الشباب.
أمّا سيدة أخرى فترى أن هذا النوع من القاعات يسمح لها بالالتزام بنقابها في الأماكن العامة خاصة عندما تتناول الطعام أين تضطر لرفعه، وتعترف المتحدثة أنها منعت نفسها لسنوات من ارتياد هذه الأماكن إلى أن تفطّن زوجها للقاعة المنفردة الموجودة في مطعم المنار، وتضيف « فعلا لقد نفّست عنا هذه المبادرة ونتمنى أن تعمم على جميع أنحاء الوطن حتى يستفيد منها أكبر قدر من الملتزمين ».
تجار: ليس من حقنا طلب الدفتر العائلي للتأكد من علاقة الزبائن
يشكك كثير من الذين استطلعنا آراءهم بشأن الفكرة في علاقة الزبائن المرتادين لهذه القاعات المنفردة وما إن كانت علاقة شرعية أم لا، فقد يكون الأمر حسبهم حيلة للاختلاء ببعضهم بعيدا عن أعين الناس.
وعن هذه النقطة أجابنا بعض أصحاب المحلات أنه ليس من حقهم اشتراط الدفتر العائلي على الزبائن للتأكد من العلاقة التي تربطهم ببعض، ويبقى هذا أمر يخصهم ويخضع لضميرهم.
ويضيف هؤلاء « لا يحق لنا التجسس على الزبائن ولا طلب هوياتهم كل ما يمكننا فعله هو فرض احترام الآداب العامة على الجميع سواء شبابا أم نساء.
حنطابلي: الظاهرة فرضها أصحاب المال من المتدينين
من جهته، المختص الاجتماعي حنطابلي، أكد في تحليله للظاهرة أنّ الجانب الاقتصادي والتجاري همّه الوحيد إشباع رغبات المجتمع والتاجر همّه الوحيد تحقيق القبول لكل فئات المجتمع، معتبرا القضية ليست قضية انتشار ثقافة بقدر ما هي قضية تكيف الجانب التجاري مع متطلبات الفرد الجزائري.
الفكرة يقول محدثنا سبقتها ظاهرة أخرى تتعلق بالشواطئ الخاصة بالملتزمين والمتدينين التي انتشرت في المدة الأخيرة في المجتمع.
واستبعد المختص أن يكون للظاهرة بعد ديني أو قيمي بقدر ما هي فرصة لخلق نوع من الحميمية حتى بين الجنس الواحد سواء رجالا أو نساء، وهي حاجة اجتماعية تجعل صاحبها في أريحية.
وعاد حنطابلي بحديثه إلى واقع المرأة في المجتمعات التقليدية التي لا تقبل أكل المرأة أمام الرجال ولا تقبل أكلها في الفضاءات العمومية وهو تماما ما يحاول تجسيده هؤلاء من خلال تخبطهم بين محاولتهم الالتزام بمظاهر التدين ومواكبة الحياة المدنية والاستفادة من امتيازاتها.