المسابقة التي أعلن عنها ناد للطلبة بكلية الهندسة بجامعة البليدة 1 تختصر الأزمة التي تعصف بالجامعة الجزائرية منذ سنوات، ومع تسجيل أن الكثير من الطلبة والمنظمات الطلابية استنكرت مثل هذه الخرجات التي لا علاقة لها بالوظيفة الأساسية للجامعة، فإن القناعة العامة أن العصر الذهبي للجامعة قد ولى، وأن مظاهر الانحطاط والتخلف قد زحفت منذ سنوات وغيّرت طبيعة الجامعة من منارةٍ للإشعاع الفكري والعلمي، إلى هياكل فارغة تخرِّج سنويا جحافل من حاملي الشهادات دون تكوين فعلي يؤهِّلهم لخوض غمار الحياة المهنية باقتدار.
كانت الجامعة فيما مضى تعجّ بالنشاط الثقافي والعلمي، وعلى الرغم من أن هذه الأنشطة تأخذ طابعا إيديولوجيا في كثير من الأحيان، إلا أنها توفر للطلبة محيطا من النقاش وتبادل الأفكار والقناعات، وقد انعكس ذلك على وعي الطلبة الذين ينشطون ضمن النّوادي العلمية والثقافية وحتى ضمن المنظمات الطلابية، وباتوا أحسن من غيرهم الذين يكتفون بحضور الدروس في المدرَّجات.
لكن المتجوِّل في جامعاتنا اليوم يكتشف أن الأوضاع فعلا تغيَّرت، خاصة بعد أن أصبحت الجامعات عبارة عن ثانويات كبيرة، لا يقصدها إلا أبناء الولاية التي توجد فيها، بل أصبح حتى الأساتذة من نفس الولاية، ومع النظام الجديد الذي لم يعد يعطي للجانب المعرفي الأهمية الأكبر من خلال نظام تقييم يشبه إلى حد بعيد نظام التقييم المعتمد في الثانويات والمتوسطات.. مع هذا النظام، تراجعت اهتمامات الطلبة وتقلّصت آفاقهم العلمية والثقافية.
أما ما يتعلق بالبحث العلمي، فحدِّث ولا حرج، خاصة مرحلة الماستر، التي تُلزم الطالب بتقديم مذكرة في مدة لا تتجاوز شهرين، فيعمد إلى استنساخ جزء من بحث جامعي ويقدمه على أساس أنه عملٌ شخصي. والغريب أن هؤلاء الطلبة يناقشون مذكراتهم ويحصلون على علامات جيدة، دون أن تمر مذكراتهم على نظام صارم لكشف السرقات العلمية، اللهم إلا إذا تعلّق الأمر بتساهل الأساتذة مع الطلبة، على أساس أن المهلة الزمنية لم تكن كافية للقيام ببحثٍ علمي ذي قيمة.
وعموما، فإنّ الجامعة الجزائرية تمرّ بأسوإ مراحلها، والدليل على ذلك المراتب المتأخرة لأحسن الجامعات عندنا في التصنيفات الدّولية للجامعات، وكذا ما تنشره الصّحافة عن فضائح السّرقات العلمية، وأخيرا يطلع علينا ناد للطلبة بمسابقة جمال الطالبات ليكتمل المشهد وتتضح الصورة الرديئة للجامعة الجزائرية التي كانت إلى وقتٍ قريب منارة للعلم والمعرفة.