فتحت « الفاف » صفحة جديدة من مسلسل الإقالات والتغييرات التي تطال في كل مرة العارضة الفنية للمنتخب الوطني، حيث تم التضحية بالتقني الإسباني الكاراز مقابل تعويض مالي لن يقل عن 20 مليارا، وبرصيد فارغ من النقاط، حيث تتجدد رحلة البحث عن مدرب جديد يقود « الخضر »، ويرجح أن يكون محليا هذه المرة، في مقدمتهم رابح ماجر الذي تولى المهمة في مناسبتين، آخرها كانت منذ 15 سنة.
تقوم الاتحادية الجزائرية لكرة القدم بقيادة خير الدين زطشي بمساع حثيثة للتعاقد مع مدرب جديد يخلف الاسباني الكاراز الذي حمل حقيبته وغادر إلى بلاده، وعليه ستكون الاتحادية أمام حتمية اختيار المدرب رقم 19 الذي يشرف على التشكيلة الوطنية منذ مطلع الألفية الجديدة، وهي فترة حطمت فيها « الفاف » الرقم القياسي في التغييرات وغياب الاستقرار على مستوى العارضة الفنية لـ »الخضر »، حيث وصف الكثير بأن تداول حوالي 19 مدربا على مدار 17 سنة يدعو إلى التساؤل ويفرض وقفة تأمل وتشريحا موضوعيا لظاهرة الطواقم الفنية المؤقتة، والمزاجية في الاختيارات والإقالات، ما جعل المنتخب الوطني حقل تجارب على مر هذه السنين، ولم يتسن لـ »الفاف » حفظ الدروس، واستيعاب الأخطاء المرتكبة في السنوات الأخيرة، سواء في عهد محمد روراوة والذين سبقوه على رأس « الفاف »، أو خلال عهدة الرئيس الحالي زطشي الذي وقع هو الآخر أسير التغيير من اجل التغيير بسبب عدم ضبط معايير الاختيار، ما كلف خزينة « الفاف » حوالي 20 مليار سنتيم نظير فسخ العقد مع المدرب الكاراز.
وإذا كان المكتب المسير لـ »الفاف » يسعى لربح الوقت، من خلال الإسراع في التعاقد مع مدرب جديد دون انتظار المباراة الأخيرة من تصفيات المونديال أمام الكاميرون، إلا أن الكثير يتخوف من صدور قرارات جديدة غير موفقة، وقد تتسبب في متاعب جديدة في بيت « الخضر »، بدليل تداول 4 مدربين بين العام الجاري والعام المنصرم (غوركوف، رايفاتش، ليكنس، الكاراز في انتظار التعاقد مع مدرب جديد)، كما أن ذات الهيئة في عهد الرئيس السابق محمد روراوة أخذت وقتها الكافي منتصف العام المنصرم بعد الطلاق بالتراضي مع الفرنسي غوركوف، إلا أن تعاقدها مع المدرب رايفاتش لم يعمر طويلا، حيث يعد صاحب أسرع إقالة منذ مطلع الألفية الجديدة، وهو الأمر الذي يطرح الكثير من التساؤلات حول المعايير المعتمدة في تعيين المدربين، والعوامل التي تجعلهم عرضة لشبح الإقالة.
وعرف مطلع القرن الـ21 تداول 18 مدربا على المنتخب الوطني على مدار 17 سنة كاملة، أي بمعدل مدرب في كل سنة، بسبب التسرع في التعيين أو في الإقالة واللجوء إلى الطواقم الفنية المؤقتة التي ساهمت في تمديد المراحل الانتقالية، موازاة مع توالي الإخفاقات والعجز عن تحقيق الأهداف المسطرة.
18 مدربا نصفهم لم يمكث 6 أشهر
ويعد المدرب المغترب ناصر سنجاق من أوائل التقنيين الذين تولوا مقاليد « الخضر » مطلع الألفية الجديدة، كان ذلك من ديسمبر إلى أفريل 2000، ليترك مكانه لزميله عبد الغني جداوي من ماي 2000 إلى جويلية 2000، وواصل هذا الأخير مهامه رفقة الروماني رادوليسكو من سبتمبر 2000 إلى غاية انسحابهما شهر فيفري 2001، ليتولى المهمة بعدها الثنائي حميد زوبا وعبد الحميد كرمالي بصفة مؤقتة من مارس 2001 إلى جويلية 2001، وجاء دور المدرب رابح ماجر في جويلية 2001 لتتم إقالته شهر ماي 2002 بعد المباراة الودية أمام بلجيكا، بحجة إدلائه بتصريحات لصحيفة بلجيكية ينتقد فيها « الفاف »، وتم تكليف المدرب حميد زوبا بمهمة انتقالية جديدة، من ماي 2002 إلى جانفي 2003، لتتعاقد « الفاف » في جانفي 2003 مع البلجيكي جورج ليكنس إلا أن إخفاقه في مهامه عجل بانسحابه شهر جويلية 2003، وفي شهر جويلية 2003 تم الاستنجاد بخدمات المدرب رابح سعدان، وتواصلت مهمته إلى غاية فيفري 2004، حيث توجت فترته القصيرة بانطباع طيب في « كان 2004 » بتونس، بعد ما ساهم في فرض التعادل أمام الكاميرون، والفوز أمام مصر، ما سمح بالمرور إلى الدور ربع النهائي، قبل أن ينهزم زملاء عنتر يحيى أمام المغرب في مواجهة مثيرة.
وبعد انسحاب سعدان كلّف مساعده رشيد شرادي بمهمة مؤقتة دامت شهرين، ليتم التعاقد مع المدرب واسايج الذي لم يمكث سوى 4 أشهر (ماي 2004 إلى غاية سبتمبر من السنة نفسها)، قبل أن يخلفه علي فرقاني من سبتمبر 2004 إلى غاية جوان 2005، ثم إيغيل مزيان من جوان 2005 إلى ماي 2006، ليترك مكانه للفرنسي ميشال كفالي من ماي 2006 إلى أكتوبر 2007.
سعدان يعيد « الخضر » إلى المونديال وخليلوزيتش صنع التميز
وفي شهر أكتوبر 2007 عاد شيخ المدربين رابح سعدان إلى بيت « الخضر »، وكانت فرصة لرد الاعتبار، حيث تجاوز عقبات تصفيات الكان والمونديال بنجاح، وساهم بذلك في إعادة « الخضر » إلى المونديال، من بوابة جنوب إفريقيا، وأوصله إلى نصف نهائي « كان 2010″، قبل أن يرغم على الاستقالة عقب التعادل المسجل في تشاكر أمام تنزانيا لحساب افتتاح تصفيات « كان 2011″، ليتم اللجوء مجددا إلى المرحلة الانتقالية عقب التعاقد مع المدرب عبد الحق بن شيخة من سبتمبر 2010 إلى جوان 2011، هذا الأخير عجز عن كسب الرهان في التصفيات المتبقية من « الكان »، خاصة بعد خسارته القاسية في إفريقيا الوسطى، وانهزامه برباعية في المغرب، ما جعل « الفاف » تنتدب البوسني وحيد خاليلوزيتش شهر جوان 2011، وأعاد « الخضر » إلى أجواء نهائيات « الكان » في نسخة 2013 التي فشل فيها في المرور إلى الدور الثاني، لكن هيئة روراوة جددت الثقة في خدماته، ما مكنه من التألق في تصفيات ونهائيات كأس العالم بالبرازيل، بعد مروره إلى الدور الثاني في أول انجاز في تاريخ الكرة الجزائرية، حدث ذلك بعد تجاوز هزيمة بلجيكا، عقب الفوز أمام كوريا الجنوبية وتعادله أمام روسيا، وأداء مباراة كبيرة في الدور الثاني أمام بطل العالم منتخب ألمانيا.
الكاراز برصيد فارغ.. رايفاتش أُبعد وغوركوف هرب
وإذا كان المدرب البوسني خاليلوزيتش قد عرف كيف يختار الوقت المناسب للرحيل (بعد نهائيات مونديال 2014)، فقد لجأت « الفاف » إلى خدمات المدرب الفرنسي غوركوف، اختيار جعل الشارع الرياضي منقسم بين متفائل في منح الإضافة، ومتحفظ في العودة إلى أزمة النكسات، وإذا كان التقني الفرنسي قد أهّل « الخضر » إلى نهائيات « كان 2015″، إلا أنه لم يتمكن من تجسيد طموح المسيرين الذين راهنوا على الوصول إلى المربع الذهبي، لتتأزم علاقته بمرور الوقت مع محيط « الفاف » وكذا الجماهير الجزائرية، ما اضطره لرمي المنشفة شهر ماي من العام المنصرم، بعد مسيرة دامت حوالي سنتين، حيث ترك مكانه للصربي رايفاتش الذي تم التعاقد معه صائفة 2016 مباشرة بعد معرفة نتائج قرعة المونديال، إلا أن رحيله كان سريعا بعد أن تمت إقالته مقابل 80 ألف دولار كتعويض، حدث ذلك بعد المسجل في ملعب تشاكر أمام الكاميرون لحساب افتتاح تصفيات مونديال روسيا، تاركا مكانه للبلجيكي العائد ليكنس الذي فشل فشلا ذريعا في نهائيات « كان 2017″، ولم يتسن له المرور إلى الدور الثاني، وانتهت مهمته بانتهاء « الكان ».
وموازاة مع تعيين زطشي رئيسا جديدا لـ »الفاف »، فقد وقع اختياره على الاسباني الكاراز الذي لم يكن موفقا في بقية مشوار تصفيات المونديال، وظل رصيده الشخصي مع « الخضر » فارغا من النقاط، وكانت نهايته الرسمية بعد مباراة العودة أمام الكاميرون، عقب الهزيمة بثنائية بملعب هذا الأخير، ما يفرض القيام برحلة البحث عن مدرب جديد وفق منطق « هذا رايح هذا جاي »، حيث توحي أغلب المؤشرات بالتعاقد مع رابح ماجر الذي سيعود إلى نفس المهمة، بعد أن أزيح من ذات المنصب منذ 15 سنة، في عهد روراوة، مباشرة بعد التعادل المسجل في اللقاء الودي أمام بلجيكا.