تقول لي والدتي العظيمة دائماً أن للمقاومة أساليب عدة بالإضافة إلى حمل السلاح، فالأم التي تخيط قميص إبنها الفدائي فدائية أيضاً، والأخ الذي يخبئ المنشورات الثورية في طيات كتبه المدرسية مقاوم، والأخت التي تعلق خريطة فلسطين برقبتها هي إحدى حراس الذاكرة.
في حرب غزة الأخيرة شاهدنا أسلوباً جديداً للمقاومة تلخص في هجمات إلكترونية شنها مقاومو شبكة الإنترنت على مواقع حساسة للكيان الصهيوني، فضحوا من خلالها أسراراً عسكرية، وسببوا خسائراً إقتصادية كبيرة للكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية.
بعد ثلاث سنوات من محاولات إلقاء القبض على الهاكر الجزائري ” حمزة بن دلاج ” من قبل الأنتربول، بعد رفضه عروضاً كثيرة من قبل جهاز الإستخبارات الصهيوني بالعمل لصالحه، وإختراقه عدداً من البنوك وتحويل ملايين الدولارات للجمعيات الخيرية في فلسطين وبعض الدول الفقيرة، ألقي القبض عليه في تايلاند وحول للمحاكمة وسط تضارب الانباء عن الحكم الصادر بحقه من إعدام أو مؤبد.
عرضت قناة ” MBC ” تقريراً عقب إلقاء القبض على ” بن دلاج” مطلقة عليه لقب “الهاكر المبتسم” لكن المثير للسخرية أن القناة تغاضت تماماً عما كان يفعل ” بن دلاج” بالأموال التي كان يسحبها من الحسابات البنكية، بل وإدعت أنه كان ينفقها على رحلاته باهظة الثمن التي كان يقضيها بصحبة أسرته في مختلف أنحاء العالم.
يكفي أن تنتقل من محطة ال “MBC” لمحطة ” KBC” الجزائرية لتدرك بأن من تصوره الأولى كسارق يقضي وقته بالإستجمام والسفر مستقلاً الدرجة الأولى في الطيارات، هو بالحقيقة بطلاً حقيقياً رفض عروض أجهزة الكيان الصهيوني بالتوسط للإفراج عنه مقابل مساعدتها في تحصين مواقعها الإلكترونية قائلاً ” الإعدام أهون لي من مساعدة الصهاينة” .
ركزت قناة “ MBC” على إبتسامة ” بن دلاج ” في لحظات إعتقاله، وغفلت أو تغافلت عن سبب هذه الإبتسامة وهو إيمانه بقضية عادلة وعمله على دعمها بما يستطيع، خاصة وأنه من بلد ذاق مرارة الإحتلال ويعرف وجع فقدان الوطن.
إبتسامة ” بن دلاج ” في لحظات الإعتقال ذكرتني بإبتسامة الفدائي الفلسطيني الذي حكمت عليه محكمة الإحتلال بالسجن 5 مؤبدات حينها قال ” ليش أنتو بتفكروا باقيين هون ؟” لمثل اولئك الأبطال تشرق الشمس.
المقال منقول عن : موقع « رأي اليوم »