أعادت حادثة تحطم الطائرة الألمانية « جيرمان وينغس »، التي خلفت 151 قتيل الأسبوع الماضي، إلى الأذهان قضية المتابعة الطبية والنفسية للطيارين الجزائريين، ومدى استجابتهم للمعايير الدولية المعمول بها في هذا المجال، المفروضة من قبل المنظمة العالمية للطيران المدني، فيما يطالب خبراء في الطيران بإنشاء مركز طبي مستقل للطيران المدني.
وفي السياق، يرى الخبير الطبي المستشار المقيم في الطيران المدني، كوردورلي حساين، أن معايير السلامة الطبية للطياريين المنصوص عليها في لوائح منظمة الطيران المدني، غير مطبقة في أرض الواقع في شركات الطيران الجزائرية على اختلافها.
ورغم أن هذه الأخيرة تنص على إلزامية الخبرة الطبية والنفسانية والعقلية الدقيقة للطيارين قبل توظيفهم وكذا إخضاعهم لفحوصات طبية دورية، إلا أن الواقع في الجزائر- يقول- مغاير تماما ويكتنفه الغموض
وقال الخبير كوردورلي، إنه سبق أن راسل وزارة النقل مطلع جانفي المنصرم لإعادة النظر في معايير الفحوص الطبية الخاصة بالطيارين والمطالبة باستقلالية مديرية الطيران المدني وإنشاء المجلس الطبي للطيران لمتابعة الملفات الطبية للطياريين، لضمان سلامتهم وسلامة الركاب وتفادي كوارث مثلما حدث للطائرة الألمانية التي تحطمت في جبال الألب بسبب تعرض الطيار لأزمة نفسية.
وكشف الخبير الطبي أن الوضع في شركات الطيران الجزائرية يدعو إلى القلق، حيث إن الطيارين يتهربون من الفحوصات الطبية المفروضة مرة كل 6 أشهر وفقا للمرسوم التنفيذي 414/04، أو يلجؤون إلى تزوير شهادات طبية ولا يفرطون في المنح المالية، ليصرح: « الطيار يتكتم على وضعه الصحي حتى لا يفقد مبلغ 160 مليون سنتيم الذي قد يخسره في حال إعفائه بسبب أزمة صحية ».
وأشار كوردورلي إلى أن شركات الطيران الجزائرية تفتقد أطباء مختصين في الطب النفسي والعقلي والعادي لفحص الطيارين، مشيرا إلى أن المركز الطبي الاجتماعي لا يكفي للفحص، وذكّر بما حصل مع الطيار الجزائري الذي توفي في بكين، الذي تبين أنه كان مريضا وأخفى حقيقة مرضه، ليقول: « عادة ما يخفي المعني مرضه بتواطؤ مع مقربيه وعن طريق شراء شهادات طبية مزورة ».
وشدّد الخبير الطبي في الطيران المدني على ضرورة اتخاذ إجراءات ردعية ضد الطيارين الذين لا يستجيبون للفحوصات الطبية، خاصة أن الطيران المدني في الجزائر لا يستجيب للمعايير الدولية ولا يوجد الطب النفسي والعقلي، ليقول: « الطيارون يريدون فقط الحصول على الأموال دون التفكير في الظروف الصحية التي قد تؤثر على سلامة المواطنين »، ليدعو السلطات المعنية إلى التحرك والوقوف على الوضعية الكارثية لحالة الطيران في الجزائر قبل وقوع الكارثة.
ومن جهته، الطيار والخبير القضائي بن زروق محمد، أكد أن حادثة تحطم الطائرة الألمانية تكشف من جديد أهمية الفحص الطبي العقلي والنفسي والبدني للطيارين، ليعتبر أن الوضع بالنسبة إلى شركات الطيران الجزائري كارثي، ويجب إعادة النظر في معايير الفحص الطبي التي يخضع لها الطيارون قبل التربص والتوظيف، مشيرا إلى أن المنظمة العالمية للطيران المدني خصصت 19ملحقا للحديث عن الفحوصات الطبية والسلامة البدنية والعقلية والنفسية للطيار. وكشف بن زروق أن شركات الطيران في الجزائر منذ أكثر من 15 سنة لا تمتلك أطباء مختصين لفحص الطيارين.
وذكر الخبير عديد الأمثلة التي حصلت في الجزائر بسبب التهور وعدم السلامة النفسية للطيارين على غرار حادثة وقعت سنة 2007، حيث أصيب طيار بانهيار عصبي وأغلق الباب على نفسه قبل أن يتراجع بعد محاولة حثيثة من مساعده، ولحسن الحظ لم يقم بأي كارثة في الجو وتم توقيفه بعدها، كما ذكر حادثة الشهادات الطبية المزورة للمتربصين بشركة « الطاسيلي » التي تم على أثرها تنحية الخبير الطبي الذي رفض تحرير الشهادات للمعنيين دون أخذ سلامة المسافرين في عين الاعتبار في حالة حدوث أي طارئ صحي للطيار أثناء عمله.