يقول الشاعر :
كتبت العوانــس أوراقــــها….مرعبـةً بجنــونها الـقــلــمُ
فشُــلَّ بالعــزف قيتـــارهاُ….وتغيــر بلحنـــــهــا النغـــمُ
فالجنين لا يرقد بأحشائها…..وما عاد يفيــدها الرحــــمُ
امرأة جميلة، إطار بوزارة ، تنتمي إلى عائلة غنية ، تسكن في فيلا بأعالي العاصمة، لديها سيارة ، تبلغ 40 سنة ولم ترتبط بعد …..امرأة أخرى ، صحفية لامعة ، زارت نصف الكرة الأرضية ، جميلة وأنيقة ، لديها شقة وسيارة ، هي أيضا لم تتزوج رغم أنها تبلغ 48 سنة، أمثلة بالآلاف « محاميات، طبيبات، صحفيات ،مهندسات » كلهن لم يحالفهم الحظ في تأسيس عائلة ، هي ظاهرة
تقارير ظهرت مؤخرا تحدثت عن وجود 12 مليون فتاة عانس في الجزائر ، هل أصبحنا نعيش في دولة العوانس كما يتساءل البعض ؟ طبعا هذا رقم مخيف ويشكل تهديدا حيويا للمجتمع الجزائري ، وله انعكاسات خطيرة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي ، وعلى التوازن الديمغرافي للبلاد .
أولا لنتفق أن جزء كبير من العنوسية في الجزائر اختيارية ، أي أن العانس قد عرض عليها ولو مرة على الأقل الزواج، لكنها رفضت لاعتبارات قد تكون اجتماعية وقد تكون عاطفية وقد تكون مالية أو حتى ثقافية .
إحدى الباحثات قالت أن الذكاء أصبح عدوا للمرأة في المجتمعات العربية والإسلامية ، فكلما ارتفع مستوى ذكاؤها وتعليمها جيدا ومكانتها الاجتماعية ، قلت فرص زواجها ! لان هامش الاختيار يضيق جدا ، ولا تجد المرأة في اغلب من يتقدم لها ، من تعتبره كفؤا لها ويلبي طموحاتها ويحقق أحلامها.
أصحاب هذه النظرية يبررون المسألة أن الرجل في مجتمعاتنا حتى وان كان مستواه الثقافي ممتاز ، وله مكانة اجتماعية مرموقة ، لكن عندما يتعلق الأمر بالزواج يفضل أن يرتبط بفتاة تقل عنه مستوى حتى يتفادى الكثير من المتاعب ، فالفتاة الذكية تتميز بشخصية قوية وقيادية، قد تنافس الرجل في إدارة شؤون العائلة ،وفي فرض وجهة نظرها في مختلف الأمور الحياتية ، وهذا طبعا خط احمر في مجتمع ذكوري كالمجتمع الجزائري .
لكن في المقابل وكما يقال » مالا يدرك كله لا يترك جله »، بمعنى أخر ، قد تتطرف بعضهن في رسم الصورة الذهنية لفارس الأحلام فتريده مثاليا كطالوت الذي « آتاه الله بسطة في العلم والجسم » ، و أن يجمع بين جمال يوسف وصبر أيوب وملك سليمان ! طبعا ساهم الإعلام وخاصة الأفلام التركية والشرقية في رفع سقف طموح الفتاة ، وجعلها تعيش في أحلام يقظة لن تحقق يوما ! فكم من شاب توفرت فيه معظم الشروط الموضوعية لكنه رفض لسبب تافه ، لتجد الفتاة ومع التقدم في العمر تخفض من سقف الطموح لترضى بعد سنين من المكابرة والعناد بمن هو أدنى ممن رفضته سابقا !
طبعا أسباب كغلاء المهور ، والفشل العاطفي ، وانتشار الجهل والبطالة ، والتقاليد البالية للمجتمع « التي لم ينزل الله بها من سلطان » ، والتفسخ والانحلال الأخلاقي وكيف يؤثر هذا على تأخر سن الزواج أو العنوسة ، كلها أسباب قد فصل فيها غيري سابقا بشكل واف وكاف !
ربما كان على الفتاة خاصة المتعلمة أن « تتواضع » قليلا ، وان تعرف أن الحياة مغامرة يجب أن نخوضها ، فلا تفترض في شاب في مقتبل العمر ، حيازة كل وسائل الحياة الرغدة ، و الواقع طبعا يختلف تماما عن ما نشاهده في الشاشات أو ما نطالعه في الانترنت، وربما كان على الشاب أن يتفتح قليلا وان يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كرم المرأة، وسابقها وساعدها في أعمال البيت ، ووثق في ذكائها ودورها في المجتمع ، ورآه مكملا له لا منقصة كما يعتقد البعض ، وهو من قال » إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم ».
بعض الساخرين ممن ينظرون إلى النصف الممتلئ من الكأس لم يعتبروا الظاهرة بهذه الخطورة … فلو تزوجت 12 مليون عانس وكل واحدة أنجبت 3 أطفال لأصبح عددنا الآن 80 مليون نسمة ،ولكم أن تتصوروا الوضع مع سياسة التقشف !
في الأخير أتذكر حديث جمعني مع صديق ، قال لي هل تتصور أن الجيش الذي فتح الأندلس مع طارق ابن زياد » معظمه امازيغ شمال إفريقيا » ، كان ليفعل ذلك ، لو لم يكن معظم أفراده متزوجون ؟ ولا يعيشون كبتا جنسيا وفراغا عاطفيا كالذي يعيشه شبابنا اليوم مع تأخر سن الزواج عند الجنسين؟