- عباقرة جزائريون ينجحون في صناعة أول طائرة محلية بدون طيار
- « أمل » حلقت بنجاح في سماء سيدي بلعباس بداية الشهر الجاري
- حقق التطور التكنولوجي المحلي طفرة حقيقية، فالجزائر لم تعد سوقا للاستهلاك، بل صارت قادرة على التطوير وإنتاج مختلف الأجهزة حتى الطائرات بدون طيار « درون »، والتي كانت قبل سنوات أمرا يستحيل حتى التفكير به، غير أن مجموعة من العباقرة سعوا لتجسيد حلمهم على أرض الواقع وتأكيد أن المستحيل ليس جزائريا. وهو ما وقفت عليه « الشروق »، خلال تنقلنا للقاعدة التكنولوجية ببوإسماعيل.
-
بعد وصولنا مركز البحث في التكنولوجيات الصناعية ببواسماعيل، كانت البداية من قاعة العرض، تشبه المستودع وبداخلها ثلاث طائرات بدون طيار، بالإضافة لطائرة شراعية وكذا المحطة الأرضية للمراقبة، يعتقد الزائر في البداية إنها ليست سوى آلة هدفها العرض أو التزيين، فيستحيل تصديق أن هذه الطائرات أنجزها مجموعة من الباحثين والمهندسين الجزائريين، الذين يقدر عددهم بـ10 شبان، من بينهم امرأتان بإمكانيات مدهشة ومحيرة في الوقت ذاته.
بن نوي نورة: « أمل 1 » أكسبتنا فريقا متحكما في صناعة الطائرات
شرعنا في جولتنا التي رافقتنا فيها مهندسة الدولة في إلكترونيات الطيران، بن نوي نورة، أرشدتنا للنموذج الأول « أمل1″، طول جناحيها 4,8 أمتار.. فتقول: انطلق العمل عليها بعد افتتاح الموسم الجامعي في 2010 وعرض المجسم الخشبي أمام رئيس الجمهورية، وقد أعطى موافقته على الشروع في إنجازها، ثم تلتها « أمل 2 » وطول جناحيها 7 أمتار، وأخيرا « أمل 3 » وطول جناحيها 3 أمتار.
وكان الهدف حسب نورة خلال إنجاز « أمل 1 » تجهيز فريق متخصص في صناعة هذا النوع من الطائرات وهو نوع جديد في الجزائر، فقد خضعت لمرحلة دراسة، ثم اختبار، فالمرحلة التجريبية، واستغرق النموذج الأول مدة زمنية طويلة ليكون جاهزا في نوفمبر 2013 ويجرب في ولاية سيدي بلعباس.
طائرات بدون طيار بأنامل جزائرية وبدون تكوين
وكشفت المتحدثة عن ضم الفريق لمجموعة من مهندسي الطيران، خبراء في الميكانيك، تقنيين في الإلكترونيك جزائريون 100 بالمائة من خريجي الجامعات المحلية، ولم يتلقوا أي تكوين في الخارج، بل اعتمدوا على ما تعلموه بالجامعات وصنعت الطائرات بمواد مركبة « ألياف الزجاج والكاربون » المعتمدة في صناعة الطائرات كـ »البوينغ والإيرباص ».. جرى تجريبها عدة مرات مع تعريضها لمختلف التغيرات المناخية حتى توصلوا للتركيبة الأكثر نجاعة، كما تمكن الفريق من تطوير إمكانياتهم وقدراتهم لإنجاز نموذجين لطائرتين « أمل 1 و2 » بمحرك بالبنزين، أما النموذج الثالث فبمحرك إلكتروني.
واعترفت المهندسة باحتواء النموذج الأول على أخطاء سعوا لتداركها وتصحيحها في نماذج الطائرات الأخرى، وقد زودت « أمل 1 » بكاميرا استكشافية لالتقاط الصور، فهذه الطائرات بإمكانها الوصول إلى أماكن حساسة يصعب على الإنسان بلوغها أو تشكل خطرا على سلامته.
طائرات بدون طيار وفق دفتر شروط الزبون
بعد ما تعرفنا على مراحل إنجاز « أمل 1″، انتقلنا إلى « أمل 2 » والتي تم تجريبها في 18 نوفمبر 2015 بطفراوي بولاية وهران، وتروي نورة بن نوي في حديثها لـ »الشروق »، أنهم اثبتوا إمكانياتهم بالتحكم في صناعة الطائرات بدون طيار، ومن مميزاتها تطور التصوير بداخلها للفيديو مع حفظها للصور والإلكترونيات بداخلها معقدة أكثر وكان بالإمكان التحكم بها أكثر.
ووصفت المهندسة طائرة « أمل 3 » بالنجاح الكبير، فهي تمثل برأيها، تقنية أخرى ونوعا مغايرا من المحركات الكهربائية، حتى شكلها كان مختلفا، من حيث « ثنائية » المحركات والإلكترونيات، وتشمل جميع الأجهزة والمهمة وبإمكانها القيام بطيران آلي بدون تدخل الطيار، في كل لحظة ترسل لهم المعطيات مباشرة ليستلموها في محطة المراقبة الأرضية، ولخصت كل ما مروا به في « أمل 1 و2″، واستطاعت الطائرة التحليق بنجاح بعد تجريبها في بلعباس في ديسمبر 2016 بعد ما شُرع في إنجازها مطلع السنة الجارية.
وذكرت مرافقتنا في الجولة بن نوي نورة، أن « أمل 3 » يُمكن استعمالها كنموذج في الدراسات الجامعية وبالاستطاعة تجهيزها حسب دفتر الشروط الذي يتقدم به الزبون، فما عليه سوى تحديد طلبه ليتم برمجة المدة الزمنية وفقه، كما يمكن التحكم في مدة التصوير من دقيقتين حتى 10 ساعات أو أكثر وحتى بالنسبة لعدد الكاميرات.
كبير عبد الجليل: شيدنا محطة المراقبة الأرضية في ظرف شهر
انتقلنا إلى المحطة الأرضية للمراقبة وهي « موبايل » بإمكانها التنقل إلى مختلف الأماكن، كانت تشبه الشاحنة، لكنها مزودة داخليا بـ5 شاشات كومبيوتر تظهر من خلالها خرائط. وعن طريقة عملها يكشف المختص في الإلكترونيك والنظام المدمج، كبير عبد الجليل، من ولاية عنابة، إن هذه المحطة بإمكانها مراقبة مسار مختلف المركبات « الطائرات والسيارات » المزودة بأجهزة ذكية ونظام تحديد المواقع « GPS »، فداخل محطة المراقبة يعينون إحداثيات لتطير الطائرة.. وفي نفس الموقع يستقبلون المعلومات وبإمكانها الذهاب لأي ولاية والعودة بعد تنفيذ مهمتها، ويمكنهم تغيير مهمتها وتحديد ارتفاعها وفي نفس الوقت وعلى المباشر يستقبلون الصور.
وأكد عبد الجليل إمكانية الاستعانة بهذه الطائرة في مجال الفلاحة، الخرائط، الحراسة، الصيد البحري، السدود، الأشرطة الوثائقية.. وغيرها، مضيفا بأنهم تولوا مهمة صناعة المحطة بأنفسهم وقد استغرق إنجازها شهرا فقط وتعتمد على القمر الصناعي.
بوقرطابة هيثم: نحترم احتياطات وتدابير خاصة داخل المخابر
وجهتنا التالية كانت مخبر المواد المركبة، فداخل الورشة عرفنا مهندس دولة في الميكانيك وهياكل الطائرات، بوقرطابة هيثم، على الألياف الزجاجية والتي كانت على شكل خيوط شفافة تستورد من الخارج ليتم مزجها بمادة سائلة شفافة أيضا تدعى « لاريزين » بكميات متساوية، مع توفير درجة حرارة تتراوح ما بين 20 و30 درجة حتى يحصلوا على مادة صلبة، مقاومة وخفيفة.
توجهنا بعدها نحو مخبر الإلكترونيات به كل ما يتعلق بالإلكترونيك، أي النظام المركب داخل الطائرة، وفيه تخضع كل المحركات للتجريب قبل استخدامها، كما تأخذ احتياطات وتدابير خاصة خلال مرحلة التجربة لكون المحرك مزود بمروحة، وأكمل هيثم كانوا يستوردون المراوح سابقا ولكن حاليا أصبحوا يصنعونها بالقوالب بالمواد المركبة. فالطائرة يجب أن تكون خفيفة ومتينة وتتحمل تغير العوامل الطبيعية والمناخية وهي ميزة المواد المركبة.
وفي مخبر الصناعة والدراسة التصميمية، شرح لنا خريج الدراسات التطبيقية في الطيران، عبد المجيد نعمون، كيف يتم صناعة مختلف أجزاء الطائرة وعوامل الأمان الواجب اتباعها في المخبر أهمها مراعاة ارتفاع درجة الحرارة.
خبير في الأنظمة المشحونة: نعاني من مشقة السفر
من جهته، أكد الخبير في الأنظمة المشحونة، بلولة عبد المالك، أهمية الطائرات بدون طيار التي تم صناعتها بنجاح في الجزائر من قبل فريق شاب، مشيدا بمدى جودتها وضمانها، كما أن تكلفتها أقل مقارنة بالمستوردة، أما عن الصعوبات التي يجابهونها فتتعلق بالمواد المركبة، فهي غير متوفرة محليا ويتم شراؤها من الخارج، وقد تتأخر معاملات الشراء زيادة على مشقة التنقل إلى ولاية وهران أو بواسماعيل في كل مرة يخضعون فيها الطائرات للتجريب فيصلحونها، ثم يعاودون السفر مرة أخرى لتجريبها.
مدير مركز البحث في التكنولوجيات الصناعية مصطفى ياحي:
هذه قصة الطائرة الجزائرية بدون طيار
نطمح لتحويل المركز إلى فضاء للكفاءات الوطنية في الأنظمة المحمولة
أوضح المدير العام لمركز البحث في التكنولوجيات الصناعية CRTI الدكتور مصطفى ياحي، في لقاء مع « الشروق »، أن تجربة مؤسستهم مع مشروع الطائرة بدون طيار انطلقت في 2010 عندما تقدمت مجموعة من المهندسين العاطلين عن العمل والمتخرجين من الجامعة الجزائرية إلى المديرية العامة للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي، وطلبوا لقاء المدير العام الأستاذ حفيظ أوراق، وكشفوا له عن حلمهم المتمثل في انجاز طائرة جزائرية بدون طيار.
واعترف المتحدث بالمشاكل والصعوبات التي واجهوها عند انطلاق المشروع « أمل 1 » سنة 2010، حيث لم يتوفر المركز أنذاك على كل الوسائل البشرية والمادية التي لا يمكن الاستغناء عنها في إنجاز مثل هذه المشاريع المعقدة تكنولوجيا، فخاضوا عدة لقاءات مع المدير العام للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي لتعميق النقاش وكيفية إيجاد الحلول البشرية والمادية والتكنولوجية لتجسيد هذا المشروع ميدانيا.
واستطرد الدكتور ياحي، قائلا إنه بعد ثلاث سنوات من الدراسة والتصميم والإنجاز، رأت « أمل 1 » طولها 4,60 متر النور وكللت التجارب الأرضية بالنجاح، فيما حالت بعض الصعوبات التقنية دون تحقيق تجارب الطيران.
رفعنا التحدي بالمواد المحلية ولم نلجأ للاستيراد إلا نادرا
وأكد الدكتور ياحي أن فكرة المشروع الثاني لطائرة بدون طيار « أمل 2 » تم بلورتها ومناقشتها على هامش المعرض الدولي للطائرات بدون طيار في 2014، ومن ثم بدأ التفكير في وضع إستراتيجية عمل للانطلاق في مشروع جديد (شعاع طائر ومحطة أرضية( تتماشى مع المواصفات العالمية وترتكز على خبرتنا السابقة، حيث حدد في هذه الإستراتجية زمن واقعي للإنجاز.
وعدّد الدكتور ياحي الصعوبات التي جابهتهم في ضرورة استعمال المواد المحلية المتوفرة في السوق الوطنية، والاستنجاد بالمستوردة إلا في حالة الضرورة القصوى، التكوين التأهيلي للمهندسين أثناء انجاز المشروع. زيادة على القيام بدراسة وتصميم وإنجاز كلي للأجزاء المستعملة في هذا المشروع بدلا من اللجوء إلى استيرادها من الخارج.
« أمل 3 » صالحة للقطاع الاقتصادي والاجتماعي
وكشف المدير العام لمركز البحث، عن مميزات « أمل 3 » مقارنة بالطائرتين السابقين، فقد كانت مدة الإنجاز والإمكانيات البشرية والمادية أقل من المشروعين الماضيين، زيادة على القوانين المستعملة في هذا النوع من الطائرات (أي بالنسبة للطول) أقل صرامة من الطائرتين السابقتين، لأنها تحتاج إلى مدرج مطار صغير ويمكنها الإقلاع ابتداء من 10 أمتار أو أكثر بقليل، ناهيك عن التكلفة أقل وسهولة الصيانة.
وذكر المتحدث أن الهدف من تصنيع هذا النوع من الطائرات هو تمكين المركز من أن يصبح فضاء للكفاءات الوطنية في ميدان الأنظمة المحمولة عامة وبالأخص في علم الطيران الذي يعتمد على عدة علوم متداخلة كالميكانيك، الإلكترونيك، الإعلام الآلي، الروبوتيك، علم المواد المركبة، علم الصورة وغيرها. وبالتالي القدرة على التكوين التأهيلي في هذا الميدان وكذلك إنجاز منتج تكنولوجي (طائرات بدون طيار) عبر دفتر شروط لفائدة القطاع الاقتصادي – الاجتماعي في عدة مجالات كتصميم الخرائط أو الكشف عن الأمراض في المجال الفلاحي أو المراقبة والمعاينة في القطاع الصناعي وقطاع المحروقات.
أما بالنسبة للآفاق المستقبلية فلخصها المسؤول، في العمل على وضع استراتيجيات مستقبلية جديدة في البحث والتكوين موجهة إلى مشاريع علم الطيران وهذا ما يتطلب بالضرورة بعث علاقات تعاون قوية مع المؤسسات البحثية والتكوينية والجامعية على المستويين الوطني والدولي، والتأسيس لقاعدة علمية وتكنولوجية للتكوين في هذا الميدان. كما ستلعب اتفاقيات الإطار للتعاون العلمي والتكنولوجي الممضاة بين الجزائر والدول المتطورة في هذا المجال عنصرا أساسيا في الإستراتيجية المستقبلية للتطور.