أصبح في حكم المؤكد، بأن الجزائر ذاهبة إلى نسف الدعم المقدم لكثير من المواد الاستهلاكية، ليس كخيار اقتصادي وإنما مجبرة بسبب نقص السيولة المادية التي كان مصدرها الوحيد ما تجنيه الجزائر من بيعها للمحروقات، وأيضا بضغط أو نصيحة صندوق النقد الدولي، والسير على خطى بقية الدول ومنها الجيران الذين يقدمون الدعم لبعض الفئات وليس لكل الجزائريين بما فيهم الأثرياء.
وحسب خبراء، سنحت للجزائر عدة فرص ولكنهاأضاعتها، كما حدث عام 2011 في زمن ما تم تسميتهبثورة الزيت، حيث قال حينها وزير التجارة السابقمصطفى بن بادة في أفريل 2011 بأن الدعم سيتواصللمدة طويلة جدا، وبأن الرئيس أدخل بنفسه موادغذائية أخرى لدعمها، على شرط أن لا يكون الدعملجميع المواطنين، ولكن من دون تطبيق هذا الشرط إلىغاية اليوم.
وكانت الجزائر مجبرة أيضا في 1986 بعد أن تدحرج سعر النفط إلى قرابة العشرة دولارات، واستنفدت كلوسائل الاستدانة من صندوق النقد الدولي، فوجدت نفسها مجبرة على نسف دعم الكثير من المواد الغذائيةالتي كانت تباع في ذلك الوقت بالدينار الرمزي، وتحدث طوابير وزحام من أجل الحصول عليها، ولم يكن حينهاسعر الحبوب الجافة من لوبيا وعدس وحمص يزيد عن الدينارين، ولم يكن سعر السكر والحليب أيضا يزيدعن الدينارين، وحتى لتر الزيت بلغ الثلاثة دنانير، واستقر الخبز في سعر مجهري بلغ 0.35 دينار.
وحتى لا تلجأ الجزائر إلى إلغاء مجانية الخدمة الصحية وأيضا التعليم وخاصة الجامعي، الذي مازال يسير علىنفس وتيرة الدعم المبالغ فيه، الذي أقره الرئيس الراحل هواري بومدين منذ قرابة النصف قرن بوجباتالدينار الرمزي والغرف الجامعية والنقل المجاني، قامت الجزائر في زمن الشاذلي برفع الدعم الجزئي أو النصفيدون الكلي عن غالبية المواد الاستهلاكية، التي ارتفع بعضها بنسبة 1200 بالمئة مثل الحليب، ومع ذلكبقيت مدعمة ولكن بشكل نصفي فقط، حيث أن سعر الخبز الحقيقي يتراوح حاليا من دون دعم ما بين 18و20 دج، وسعر الحليب الحقيقي يصل بعد حذف الدعم إلى 50 دج، بينما سعر السكر غير المدعم إطلاقاوالتدعيم الوحيد مقدم للمستوردين ولا تستفيد الدولة ولا المواطن من أي سنتيم، لأن سعر الكيلوغرام منالسكر في الأسواق العالمية حاليا هو 0.13 دج، وهو لا يختلف كثيرا عن السعر الذي يصل للمواطن الذييقتنيه بأسعار تتراوح ما بين 80 و90 دج للكيلوغرام الواحد.
الجزائر التي تنفق ما قيمته 29 مليار دولار، أي قرابة ربع الناتج القومي وهو مبلغ مهول لدعم المواد الغذائيةفقط، وهي الخبز ومشتقاته والحليب ومشتقاته والزيت والبقول الجافة، ستجد نفسها بداية من هذا العاممجبرة على التقليص من هاته الفاتورة الضخمة، برفع الدعم عن بعض المواد أو السير وفق نصيحة صندوقالنقد الدولي الذي طالب الحكومة برفع الدعم عن المواد الأساسية، والإحصاء الدقيق للمحتاجين لأجلمنحهم مساعدات مالية تساعدهم في اقتناء المواد الأساسية بأسعارها الحقيقية.
وليس دعم الجميع كما قال الملياردير حداد الذي استغرب كيف تبيع الدولة كيس الحليب بـ25 ديناراللفقير وللثري أيضا، فقد يستعمله الثري في صناعة الياؤورت ويبيعه من دون دعم للمواطن فيزداد ثراء، تماماكما يحصل للفرينة التي تدعمها الدولة ويستفيد منها بائعو الحلويات الذين يبيع البعض منهم قطعة الحلوىبـ200 أو 300 دج، بمعنى أن المستفيد الأول من هذا الدعم هم الأثرياء والمكلفون باستيراد هاته الموادوالذين لا ينقصون في سعرها إذا انهار في السوق الدولية كما هو حاصل مع السكر المرشح بالمحافظة علىسعره المنخفض في السوق الدولية إلى غاية نهاية عام 2016.