نجد أنفسنا مرة أخرى أمام حلقة جديدة لمسلسل الكوارث الطبية لقطاع الصحة، لاسيما مصالح الاستعجالات المرآة العاكسة لصورة الخدمات المقدمة للمرضى.
« الشروق » كانت شاهد على حالة التسيب والإهمال الذي تعيشه مصلحة الاستعجالات لأكبر مستشفى بالعاصمة مصطفى باشا، خلال الزيارة المفاجئة التي قادت وزير الصحة عبد المالك بوضياف، لهذه المصلحة في حدود الساعة العاشرة والنصف من ليلية الخميس.. نظافة غائبة .. فريق طبي يخرق القانون ويغيب مسؤول المصلحة عن المناوبة تاركا المرضى يواجهون مصيرهم مع الآلام .. ورئيس المستشفى يصم أذانه إزاء ما يحدث… والغريب في الأمر سكارى ومتشردون يتجولون في المكان بكل أريحية ولا أحد يتحرك لوقفهم.
بوضياف يبرئ مصلحة التوليد بالقبة من وفاة خمس توائم
كل شيء كان يبدو جميلا في بداية الزيارة التي إنطلقت في حدود الساعة السابعة ليلا، ولا يوجد ما يثير الانتباه حتى أن الصحافيين شكوا لوهلة أن تكون المصالح الاستشفائية التي تمت زيارتها على علم بالزيارة، خاصة وأن تلك الطوابير من المرضى التي تعودنا على رؤيتها لم نجدها، على غرار مصلحة التوليد بمستشفى مصطفى منتوريّ بالقبة، التي لاحقتها تهمة التسبب في وفاة 5 توائم، هم 3 ذكور وأنثيان، من والدين يقطنان في قصر الشلالة بولاية تيارت لما قيل أنه الإهمال، لكن القائمين على المستشفى وخلال الزيارة أكدوا أن الأمر فيه مغالطة، حيث طلب من الأم المكوث في المشفى إلى غاية الولادة لكنها فضلت الخروج والتوجه إلى مسكنها العائلي في قصر الشلالة.
ولفت الوزير أن المعلومات المغلوطة أثرت كثيرا على قطاع الصحة، ولهذا قررت مصالحه أن تنطلق في تنظيم حملات تحسيسية تتعلق بالمنظومة الصحية.
فيما وجه تعليمات إلى القائمين على مصلحة التوليد بضرورة التواصل مع المرضى عن طريق الهاتف، ومتابعة حالاتهم، وتوجيههم، تحسبا لرقمنة المستشفيات وتحسين الخدمات. مشيرا إلى أن فتح مصلحتين بالدويرة وبابا حسن سيقلص الضغط على مصلحة القبة.
نفس الأمر لاحظناه في الزيارات التي قادتنا لمستشفى معوش محمد أمقران لجراحة القلب، التي وجدها الوزير في أحسن وضعية مقارنة مع المرات السابقة، حيث عبر المرضى على ارتياحهم للخدمات المقدمة، وحتى النظافة ووجود المناوبة الليلية، رغم ذلك قدم الوزير تعليمات من أجل القضاء على ظاهرة مرافقة عدد كبير من الأشخاص لمريض واحد، بعد أن لاحظ ذلك بالمستشفى.
ونفس الأمر وقف عليه الوزير عند زيارته، للمؤسسة العمومية للصحة الحوارية ببوزيعة العيادة المتعددة الخدمات الإخوة والأخوات أيت واعلي، حيث قدم تعليمات بضرورة رقمنة المستشفيات قصد تسير أحسن لهذه الهياكل وتكفل ملائم بالمرضى، أين يكون لكل مريض ملف في المستشفى يتم متابعته من مرحلة الدخول إلى غاية الانتهاء من العلاج ».
في وقت عبر الوزير عن رضاه من الفريق المناوب الذي كان حاضرا في المؤسسة العمومية للصحة الجوارية سيد أحمد بوشنافة، مشيرا إلى أن المؤسسات الاستشفائية يجب أن تغير عقليتها، وتجعل المناوبة 24 على 24 ساعة، حيث أن المواطن لو لم يكن مريضا لما قدم إلا العيادات ليلا ».
قف.. مصطفى باشا .. فوضى .. طاقم طبي غائب وسكارى يتجولون بحرية
وبخلاف ما تم ذكره في المؤسسات التي تمت زيارتها سابقا، فإن الكارثة كانت بمصلحة الاستعجالات لمصطفى باشا فالزيارة التي كانت في حدود الساعة العاشرة ليلا، أحدثت ثورة بالمستشفى، وراح الجميع يجري في كل مكان.. « الوزير هنا الوزير هنا » قبل أن يلتف المرضى حول عبد المالك بوضياف، ويحاصرونه بالشكاوى التي لم تنته لولا تدخل الحرس الشخصي للوزير « ارحمونا… سيادة الوزير مللنا من الانتظار ..لا يعقل أن يقال لنا لا يوجد مستلزمات طبية أو طبيب مناوب ونحن ننزف دما.. حسبنا الله ونعم الوكيل » وغيرها من العبارات التي تلخص معاناة المرضى اليومية ليلا.
يسير الوزير في زيارته التفقدية نحو غرف المصلحة الاستعجالية حتى يوقفه صراخ أحد المرضى الذي كان يحمل ابنته المصابة والتي لم تجد من تداويها ».. سيادة الوزير والله حرام عليهم .. بنتي مريضة ومن الصباح وأنا نسنى ».
لينطق أخر من الجهة المقابلة « قالونا مكاش المتريال معالي الوزير لكن نحن ماذا نفعل ». لضيف أخر « لا نريد الكذب وبمجرد أن سمعوا أنك وصلت إلى المستشفى شرعوا في تنظيف المكان أيها الوزير »
ووجد بوضياف نفسه حائرا من حالة التسيب والإهمال، خاصة وأن بعض المرضى دخلوا في نقاشات معه لكشف المستور حيث قال أحد المصابين الذين كان يقطر دما .. « أخبرك أنني سأتداوي اليوم لأنك جئت فقط ».
دم على الأرض وأسرة مهترئة
جولة خاطفة قمنا بها في أرجاء المصلحة في الوقت الذي كان يستمع فيه الوزير لشكاوى المرضى، ولاحظنا تلك الضمادات المليئة بالدم مرمية على الأرض، بالإضافة إلى الحالة الكارثية للآسرة التي يعالج فوقها المرضى، وغيرها من التجاوزات، لكن ما لاحظناه أيضا هو وجود سكارى ومتشردين ومجانينن يتجولون في المستشفى ولا أحد يتكلم معهم.
بوضياف يأمر بإيقاف كافة المتغيبين عن المدوامة
وضع درامي ومأساوي جعل الوزير يبحث عن المسؤولين المداومين في تلك الليلية، لكن الجواب كان صادما .. »مسؤول المناوبة غائب.. ».. يبحث الوزير عن الأطباء المناوبين، فلا يجد، إلا بعض الأشخاص الذين يظهر من محياهم أنهم متربصين أو بعض المستخدمين المبتدئين .. فماكان عليه إلا الصراخ في وجه رئيس المستشفى « ومطالبته بطرد كل شخص لم يقم بالمداومة وعلى رأسهم مسؤول المداومة ».
وما كان على الوزير إلى مخاطبة رئيس مستشفى مصطفى باشا: « لا نقبل أن يضع الوضع على حاله ..ليس لهكذا أشخاص مكان في قطاع الصحة لهم.. ».
المرافقون يرهقون الأطباء وعجز في مستخدمي شبه الطبي
ومن بين الانشغالات التي استمع إليها الوزير، العجز المسجل في عدد مستخدمي الشبه الطبي خاصة في الفترة الليلية وهو ما يجعل الأطباء يكابدون الأعداد البشرية الهائلة، لوحدهم ودون مساعدة، كما يشتكي الأطباء والممرضون من عدد المرافقين للمريض ما يصعب عليهم مهمتهم ».
نريد محاسبة المتقاعسين وليس زيارات شعبوية فقط
واستحسن عدد كبير من المواطنين زيارة الوزير لتفقد المستشفيات خاصة وأن الأمر يعنى بصحة المواطن، وعبروا في حديثهم لـ »الشروق » عن أملهم في أن تكون لهذه الزيارات الميدانية والفجائية نتائج ملموسة يتم من خلالها محاسبة المتقاعسين في القطاع والمتلاعبين بصحة المرضى، وليس فقط من أجل الشعبوية واستعراض العضلات في قطاع لا يحتاج إلى ذلك.. فهل سيستطيع عبد المالك بوضياف إصلاح ما أفسده مسؤولون تعاقبوا على القطاع؟.