انقطاع الإنترنت، هذا الجمعة، الذي يخلد فيه كثير من الجزائريين إلى الراحة، أخلط أوراق كثير من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتها « الفيسبوك »، الذين لم يجدوا من وسيلة لمواساة بعضهم بخصوص هذه « النكبة الرقمية »، سوى إطلاق العنان لتعليقاتهم الساخرة، مردّدين شعارات على غرار: النوم، الغابة والبحر.. لمواجهة صدمة انقطاع الإنترنت. في حين راح آخرون يفكرون كيف سيقضون يوم الجمعة بلا إنترنت، هل سيبقون في منازلهم ليشاهدوا البرامج التلفزيونية؟ أم يبرمجون نزهة إلى غابة أو فضاء للترفيه والتسلية؟ أم يصلون أرحاما كانوا قد قطعوها اجتماعيا، وتواصلوا معها فقط افتراضيا؟ تعدّدت الخيارات والسؤال واحد: كيف سيمرّ يوم الجمعة بلا فيسبوك؟
وبعيدا عن اعتذارات مؤسسة اتصالات الجزائر، وحكاية أشغال نقل غرفة الكابل البحري، الذي تضرر، ووجب صيانته خلال يوم العطلة، أي هذا الجمعة على مستوى الساحل العنابي، الذي أدى قطعا إلى تذبذب جلي، في حراك الشبكة العنكبوتية، أعلنت منذ نهار أمس الخميس أمة الفايس بوك، التي صارت الحزب والجماعة الأكبر، والأكثر توحدا في الجزائر، ما يشبه حالة الطوارئ القصوى، كل فرد منها يفكر في الطريقة التي سيقضي بها يوم عطلته الجمعة، من دون الإبحار في عالم الفايس بوك، سواء مطالعة أم فضولا أم أن يكون بيدقا أساسيا في رقعة الفايس بوك، الذي توغل في الشرايين، فصار مثل الدم أو الأوكسجين الذي لا يمكن للكثير أن يعيشوا ساعة واحدة من دونه، فما بالك أن يقضوا يوما كاملا من دون هذا التواصل، الذي أخلط الأمور في بعضها، وطار بها ما بين القارات.
أول عطلة منذ ثلاث سنوات
قليل هم الذين استحسنوا هذه الجمعة، من دون فايس بوك، واعتبروها راحة إجبارية، يجب التعامل معها بطريقة مثالية، فمنهم من قرر لأول مرة العودة إلى كتب المطالعة، التي تركها منذ ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، في حياتنا، على رفّ مهجور، ومنهم من قرر مزاولة الرياضة بعد أن منحهم الفايس بوك كيلوغرامات من الشحم بسبب بقائهم لساعات جلوسا يتعاطون بعض الأكل والشراب ويتعاطون الفايس بوك، الذي جعلهم ينسون الواقع، بما فيه من جمال وصحة، لكن الاعتراف الذي قاله بعض الفايسبوكيين لـ « الشروق اليومي »، هو أن هذا الجمعة هو أول عطلة من الحياة الخيالية التي تحققت لهم، بعد ثلاث سنوات كاملة كان فيها الفايس بوك طعامهم وشرابهم والهواء الذي يستنشقونه.
وقد تعرف شوارع المدن الكبرى على غير العادة في هذا الجمعة زحاما لأن الذين كانوا يقطنون مقاهي النت، التي تفتح دون كل المحلات والمتاجر يوم الجمعة، سيجدون الشارع وحده من يستقبلهم، كما ستجد الفتيات الماكثات في البيت فرصة لشم نسيم الربيع من دون إبحار في العالم الافتراضي، وما زاد في طين هؤلاء بلة هو أن مباريات الكرة في عطلة، وقد يكون المستفيد الوحيد هم رؤساء الأحزاب ورؤوس القوائم الذين اختاروا الجمعة 14 أفريل لأجل تنشيط حملتهم الانتخابية، فقد يضمنون بعض الفايسبوكيين الذين لن يجدوا ما يفعلونه فيتجهون إلى القاعات والمداومات، من باب الفضول وكسر روتين ساعات يوم من دون إنترنت.
يوم حداد.. وفرصة للعلاج من إدمان الفايسبوك
وقد اتصلت « الشروق »، بالسيد رؤوف بوقفة، وهو رئيس المركز الفريد من نوعه بقسنطينة الخاص بمعالجة المدمنين على الإنترنت، وبالخصوص على المدمنين على الفايسبوك، الذي يستقبل حاليا ثماني حالات من أناس أقروا بأنهم دخلوا عالم الإدمان، وسألته عن التحضير الذي قاموا به ليوم الجمعة الحالي، فقال ضاحكا إن اليوم هو الحداد بالنسبة إلى متعاطي الفايس بوك من المدمنين، وتحدث عن ضرورة استغلال المدمنين للفرصة تماما كما يستغل بعض المدخنين فرصة صيام شهر رمضان، فيجربوا اليوم ويجعلوه فرصة لتدريب أنفسهم حتى لا يسقطوا في فخ الإنترنت. وكانت وكالة الأنباء الفرنسية قد قدمت تحقيقا عن هذا المركز الفريد من نوعه في الجزائر، وفي العالم، وهو المركز الذي جمع المدمنين وصار يقدم مجلة إلكترونية تقدم لهم النصائح وتدخل بقية المدمنين في عالم التخلص من الفايس بوك.
حيث قال أحد المرضى إن صحت كلمة مرضى، لـ « الشروق »، إن قضاء يوم كامل وهو اليوم الجمعة الربيعي، من دون جرعات من الفايسبوك، أمر مستحيل، وإذا كانت اتصالات الجزائر قد حددت الساعة السادسة من مغرب اليوم الجمعة لعودة الإنترنت، فإنها ستجد إبحارا لا يختلف عما يفعله أذان الإفطار في أيام شهر رمضان عندما تخلو الشوارع من الناس، ولا شيء يُسمع غير أصوات الصحون والملاعق.
الحمد لله على تحميل ملفات مهمة.. والفيسبوك مجرد سوق شعبي
الأستاذ عمار رابح، رئيس قسم علوم الإعلام والاتصال، بجامعة وهران، وفي تصريحات لـ »الشروق »، حمد الله كثيرا لأنّه تمكن من تحميل برنامج ومداخلات تتعلّق بملتقى سيشارك فيه نخبة من الأستاذة، قبل انقطاع الإنترنت. وبخصوص التواصل عبر الفيسبوك مع الزملاء والأصدقاء، قال: « إنّه يمكن الاستغناء عن التواصل عبر هذا الفضاء »، بعدما تحوّل حسبه إلى سوق شعبي اختلط فيه الحابل بالنابل، ولم يعد بعض مرتاديه يحترمون خصوصيات الآخرين، مفضلا في الوقت ذاته التويتر، الذي وصفه بالفضاء النخبوي.
أما أستاذ علم الاجتماع بجامعة مستغانم، الدكتور الحاج بلهواري، فقال: « إنّ الإنترنت أصبحت ملاذا لمختلف شرائح المجتمع »، لكن انقطاعها لا يشكل حسبه حدثا، كون مثل هذه الأمور متوقعة. كما اعتبر أن الجزائري الذي اعتاد الإبحار عبر النت، سيعيش غدا الجمعة مرحلة غضب انفعالية، سرعان ما تزول بعد عودة الإنترنت، ليمارس إدمانه مجدّدا على التواصل داخل حيّز افتراضي.
جمال. ب، وهو شاب في العقد الثالث من العمر، يعمل ميكانيكيا بأحد المصانع، كان له رأي آخر، فقد عبّر عن استيائه إزاء انقطاع الإنترنت، كونه تعوّد على التواصل مع أصدقائه داخل وخارج الوطن عبر الفيسبوك، ليقرّر في الأخير أن يخلد إلى النوم يوم الجمعة، لينسى صدمة انقطاع النت.
« استغلوا النكبة الإنترناتية لتعزيز الأواصر الأسرية »
وإذا كان مدمنو الفيسبوك لديهم رؤيتهم بخصوص انقطاع الإنترنت، فإن رجال الدين حاولوا أن يقدموا رسائل توعوية تصب كلها في خانة الاستخدام الأمثل للشبكة العنكبوتية. وفي السياق، اعتبر مصطفى قادوم بن بلقاسم، الأمين الولائي المكلف بالتنظيم بنقابة الأئمة بوهران، أن الإنترنت ما هي إلا كأس فارغة، فيمكن ملؤها بماء زلال أو سموم على حدّ قوله. وأضاف المتحدث أن الإسلام ليس ضد العلم والرقمنة، بل ضد سوء استعمال الثورة التكنولوجية، التي فتنت بها شعوب العالم الثالث.
بن بلقاسم دعا مدمني الإنترنت وفي مقدمتهم رواد الفيسبوك، إلى استغلال ما وصفه بـ »النكبة الرقمية »، في إشارة إلى انقطاع الإنترنت، لتعزيز الأواصر الأسرية، وتجديد العهد مع الجلسات العائلية، وصلة الأرحام، وزيارة الموتى.