مبدئياً، يحق للوزير الأول عبد المالك سلال أن يحلم بأن تصبح الجزائر « دولة ناشئة » في آفاق 2020 وأن تتكرر فيها التجربة الاقتصادية التركية؛ فالجزائر تملك كل المقوِّمات لإقامة اقتصادٍ مُنتِج وتنافسي يُخرجها من التخلف ويُكسِبها مكانة مرموقة بين الدول.
لكننا نودّ أن نلفت انتباه وزيرنا الأول أن تركيا لم تصبح دولة متقدمة بفضل التجربة الأردوغانية وحدها، بل إن الفضل الأول في ذلك يعود إلى الأتاتوركيين أنفسهم، فقد أصرّوا على احتكار حكم تركيا قرابة 70 سنة، ورفضوا أيّ تداولٍ للحكم، وانقلبوا مرارا على حكومات منتخَبة.. ولكن حينما أدركوا تماماً أن الاستمرار في هذه السياسة الشمولية يعني غرق تركيا في المزيد من التخلف والفقر والفساد والتدهور على جميع المستويات.. غلّبوا أخيرا المصلحة العليا لبلدهم وشعبهم، وقاموا بدَمَقرطة الحياة السياسية وقبِلوا بإجراء انتخابات حرّة أفضت إلى وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، وتركوه يحكم إلى الآن احتراما لإرادة الشعب، فكان ذلك عاملا مهمّا لاستقرار بلادهم ودخولها تجربةً جديدة أدت إلى ثورةٍ اقتصادية كبرى جعلت الاقتصاد التركي يبلغ المرتبة الـ17 عالميا في ظرف 10 سنوات فقط.
لقد أدرك الأتاتوركيون أن الديمقراطية الحقيقية هي صِنْوُ التنمية الدائمة والشفافية في التسيير ومكافحة الفساد بنجاعة اعتمادا على مؤسسات قوية تؤدي دورها الرقابي بفاعلية، وفي مقدّمتها برلمان منتخَب وقضاء عادل وصحافة حرة وهيئات شتى تراقب المال العام بجدِّية، وهذا ما حدث في دولٍ أمريكية عديدة وضعت حدا لأنظمتها الشمولية وسارت نحو الديمقراطية، فكان الأتاتوركيون شركاء في هذه التجربة الرائعة بفضل قبولهم بالانتقال الديمقراطي السلس وإعادة الكلمة للشعب، وهذا ما يُحسَب لهم وينبغي أن يُحمَدوا عليه.
يجب الانتباه إذن إلى أن تجربة الأتاتوركيين سبقت تجربةَ أردوغان؛ فلو استمرَّ الأتاتوركيون في احتكار الحكم وتحدّثوا بمنطق أن « الدولة ملكٌ لهم » لأنهم أنقذوها من الاحتلال الأوربي بعد الحرب العالمية الأولى، وسيواصلون حكمَها « قرناً آخر على الأقل »، لما كانت هناك تجربةٌ أردوغانية مثيرة لإعجاب العالم أجمع.
ونأمل أن لا ننتظر 70 سنة كما فعل الأتاتوركيون لتصل السلطة إلى القناعة نفسها ويقبل بإقامة ديمقراطيةٍ حقيقية بالبلاد كشرط لا غنى عنه لتطويرها، تكفي 55 سنة من الحكم للوصول إلى هذه النتيجة، وخيرُ البر عاجله.
من الخطإ الاعتقاد بإمكانية استنساخ التجربة الأردوغانية مباشرة دون المرور بالتجربة الأتاتوركية. لا يمكن تحويلُ الجزائر إلى « دولة ناشئة » كتركيا في غضون أقلّ من 4 سنوات اعتمادا فقط على النمط الاقتصادي الجديد، ودون إحداث أيِّ تغيير سياسي، فلا تقدُّم دون ديمقراطيةٍ حقيقية ووضع حدّ للفساد؛ العدوِّ الأول لأي إقلاع اقتصادي كما تثبته كل التجارب في العالم.
وفي جميع الحالات، لن يطول انتظارُنا سوى أقل من أسبوع للتأكد من النيَّة الحقيقية للسلطة من خلال نتائج انتخابات 4 ماي المقبل، فإما بداية إعادة الكلمة للشعب، أو الإبقاء على الوضع الراهن باسم « الاستقرار » ومسمَّيات أخرى، وهذا هو الأرجح. ونأمل أن نكون مخطِئين في توقعنا هذا وتحدث « معجزة » يوم إعلان النتائج في 5 ماي القادم.