- ا كافح لأجله دعاة الفرنسية في الجزائر تبخر في لمح « النّت »
- رياض محرز وفيغولي صارا يتحدثان بالإنجليزية فقط
- في الرحلة الطويلة من كلمة « الأنترنت » إلى « الفايسبوك »، داس الجزائريون بأقدامهم وبلسانهم، على اللغة الفرنسية التي عمّرت قرابة القرنين من الزمان في بلادهم، لتصبح غريبة في مكان ظنته من ديارها، حيث اقتصر التعامل بها على الفرنسيين، وبعض البلجيكيين والكنديين والأفارقة، بينما صار التواصل مع كل المعمورة، لا يمر إلا عبر اللغة الإنجليزية، خاصة أن الفرنسيين وجدوا أنفسهم مجبرين على التخلي على لغة فولتير، والتعامل مع لغة شكسبير التي أخذت بعدا تكنولوجيا وانطلقت بسرعة البرق، فلم تقض على بقية اللغات مثل العربية، وإنما نسفت الفرنسية نهائيا من الوجود العنكبوتي، ومن عوالم الافتراض، فدخلت بذلك اللغة الانجليزية يوميات الجزائريين، وأصبحت مفرداتها على ألسنة الجيل الجديد، الذي غزا مدارس تعليم الإنجليزية في الجزائر التي اشتغلت في رمضان والصيف الحاليين، تزامنا مع بيات صيفي فرنسي، يبدو أنه سيعم كل الفصول.
-
وتعرف اللغة الإنجليزية في الآونة الأخيرة رواجا كبيرا مقابل اللغة الفرنسية، التي تراجعت أسهمها في الجزائر، حتى لدى المعسكر المحسوب على فرنسا، حيث انتقل الصراع الذي كان قائما منذ الاستقلال بين « المعربين » من أنصار تعميم اللغة العربية، والمفرنسين من أنصار فرنسة الجامعات والإدارات، إلى صراع بين المفرنسين أنفسهم، من المتشبثين بآرائهم، وبين المفرنسين الذين اعترفوا بعجز لغة فولتير، وصاروا يطالبون باختيار اللغة الانجليزية بديلا لمواكبة العالم، فقرّروا دخول المعركة بعد تنامي تيار يطالب بضرورة تمكين الإنجليزية في المدارس والمناهج التربوية، على اعتبار أن الانجليزية لغة العلم والتكنولوجيا وبسبب الانفتاح الالكتروني والاقتصادي الذي تعرفه الجزائر، ولمتغيرات ديموغرافية كبيرة واقتصادية وثقافية، وحتى الرياضية على الصعيد العالمي، ما مكّنها من سحب البساط من اللغة الفرنسية.
ولم يقتصر انتشار اللغة الانجليزية في الجزائر على رغبة الجزائريين في اكتساب هاته اللغة، بل أيضا المبادرات السياسية والاقتصادية التي تقوم بها بريطانيا العظمي، والتي أعلنت قبل شهرين خلال زيارة ممثل عن رئيس الوزراء ديفيد كاميرون للجزائر، عن نيتها في فتح مدرسة عليا لتعليم الإنجليزية، ستدخل حيّز العمل سنة 2019 مع برنامج تعليمي وتكويني واسع، عبر القنصلية والسفاراة، لنشر سريع لهاته اللغة في أوساط الجزائريين، وتركز المملكة البريطانية العظمي على فئة رجال الأعمال وطلبة الاقتصاد والتجار عبر تلقينهم « إنجليزية الأعمال » و »الانجليزية البريطانية » المنتشرة عبر العالم، وقدمت في هذا الإطار تسهيلات بالجملة للراغبين في التكوين، وعروض مغرية، خصوصا بعد إعلان انسحابهم من الاتحاد الأوروبي، حيث يعملون جاهدين على فرض تواجدهم بأكبر عدد من الدول، خصوصا دول المغاربية، وهذا لن يتأتي إلي بانتشار سريع للغة الانجليزية في أوساط الجزائريين .
والملفت للانتباه أن الجزائريين أصبحوا يستعملون لغة « شكسبير » في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي مواقع الدردشات خصوصا العربية، وكذا في تعاملاتهم اليومية، مجبرين وأحيانا مخيرين، حيث إن نصف الشباب يستعملون الكلمات العادية والجمل الطويلة وكلمات الأغاني الأمريكية بشكل يومي، بل امتدت إلي الدراما الجزائرية على غرار مسلسل « عائلة هاي تاك »، والذي يستعلمها بشكل ملفت الممثل « ابراهيم اربن »، وكذا المسلسل الجزائري بوزيد دايز، كذلك استعلمت فيه اللغة الانجليزية، وكذا المسلسل الشهير عاشور العاشر، والذي كان يعرض على قناة الشروق تي في السنة الماضية، وحتى في عالم الكرة صار النجم رياض محرز يتحدث باللغة الإنجليزية مع الصحافة العالمية، دون الفرنسية، وفاجأ فيغولي الإعلاميين عندما أمضى الأسبوع الماضي مع نادي واست هام اللندني حيث استعمل الانجليزية في أول تصريح له في العاصمة الإنجليزية.
واكتشف الكثير من الجزائريين ومنهم برلمانيون ورجال أعمال وديبلوماسيون بأنهم أميون، لأن لغتهم الأجنبية التي يتقنونها اقتصرت على الفرنسية التي صارت غريبة حتى في فرنسا، وواضح بأن عوامل كثيرة تسببت في ذلك، ومنها التخلف المريع الذي تعرفه الجزائر في عالم السياحة، ما جعلها من أكثر البلدان تخلفا في تعلم لغات العالم، على الأقل مقارنة بالجيران ودول العالم العربي، حيث أضاف المغاربة للغتين العربية والفرنسة اللتين تسيطران على تعاملاتها، تعلم اللغتين الإسبانية والإنجليزية، وأضاف التونسيون للغتين العربية والفرنسية تعلم اللغتين الإيطالية والإنجليزية، بينما بقي تعلّم اللغة في الجزائر للضرورة التعليمية فقط، فرغم تواجد ما لا يقل عن ثلاثين ألف صيني مثلا في الجزائر، إلا أنه لحد الآن لا توجد مدارس لتعليم هاته اللغة، وهو ما جعل حبل الوصال منقطعا تماما بين الجالية الصينية التي تتقن الإنجليزية، والمواطنين الجزائريين لأن اللغة الفرنسية التي يتشبث بها الجزائريون للتواصل مع العالم الخارجي انتهت صلاحيتها في باريس ومونبيلييه ونيس وليل وليون التي تحتضن أمم أوروبا لكرة القدم، فما بالك ببقية البلدان الأوروبية، ويكفي أن تنتقل إلى فرنسا لتكتشف الوضع المتخلف لهاته اللغة، ومع أن الإنجليزية فرضت نفسها الآن على الجزائريين، إلا أن التفتح عليها بشكل رسمي وشعبي، مازال دون ما هو موجود في مختلف الأصقاع، بما في ذلك المستعمرات الفرنسية القديمة، مثل المغرب ولبنان والسنغال.الشروق