مع نهاية هذا الأسبوع، وبداية العطلة الشتوية التي تأتي كلّ عام متزامنة مع « عيد الميلاد » ورأس السّنة الميلادية، أو لنقُل مع « الكريسماس » و »الريفيون »، يبدأ بعض الجزائريين المستهترين بدينهم حزم أمتعتهم ليولّوا وجوههم شطر فرنسا وأخواتها من الدول الأوروبية أو إلى تركيا وتونس، لقضاء عطلة الشّتاء، التي أريد لها -في توقيتها الذي لا يتزحزح- أن تكون عطلة للميلاد، حيث الليالي الملاح وكل شيء مباح.. وبإزائهم جزائريون يختارون الاحتفال بهذه المناسبة في فنادق جزائرية دأبت كلّ عام على إحياء ليلة الميلاد وليلة رأس السّنة بتوفير أجواء لا تختلف كثيرا عن الأجواء التي توفّرها الفنادق الغربية! بدءًا بالموسيقى الغربية مرورا بالخمور، المحلية منها والمستوردة، وليس انتهاءً بشجرة الميلاد المزيّنة بالألوان والأضواء! في بلد ينصّ دستوره على أنّ الإسلام دين الدّولة!
هؤلاء وأولئك ربّما لا يكون من السّهولة الوصول إلى مسامعهم وإقناعهم بالعدول عمّا هم مقبلون عليه، خاصّة أنّ كثيرا منهم يكسبون أموالهم من الحرام ولا يستغرب أن يؤزّهم الشّيطان إلى إنفاقها فيما يجرّ إليهم خزي الدّنيا والآخرة؛ ربّما لا يسهل أن يثوب هؤلاء وأولئك من رافعي شعار « اليوم سرقة ونهب وغدا خمر وشرب » إلى رشدهم، لأنّ الواحد منهم لو قيل له إنّك تحتفي بعيد « ميلاد الربّ » في أحد مذاهب النّصارى وبعيد « ميلاد ابن الربّ » في مذهب آخر، لأخذته العزّة بالإثم وضحك واستهزأ واتّهم محدّثه بالتشدّد والدّاعشية، إلا أن يهدي الله من أراد هدايته منهم، ولكن ربّما يكون من المناسب أن نوجّه كلماتنا إلى كثير من عامّة الجزائريين الذين لا يجدون حرجا في تقليد عادات النّصارى في هذه المناسبة، في بيوتهم وبين أهليهم وفي اجتماعاتهم الخاصّة، فتراهم مع اقتراب موعد « الكريسماس » ينسلون إلى محلات بيع الحلوى والمرطّبات لاقتناء شجيرات « لابيش » وشوكولاطة « بابا نويل »، وإلى محلاّت الهدايا لاقتناء دمى البابا نويل وأجراس « سانتا كلوز ».
قبل سنوات قليلة، كان احتفال الجزائريين مقتصرا على رأس السّنة الميلادية « الريفيون » على اعتبار أنّها مناسبة عالمية وليست مناسبة دينيّة، وهذا التبرير الذي يتعارض مع أصول الشّرع ومقاصده أدّى قبوله واعتباره لدى بعض من يستهويهم تطويع الدّين للواقع والأهواء إلى اتّساع الخرق في السنوات القليلة الماضية، حيث بدأت طقوس الاحتفال بليلة الميلاد تغزو المجتمع الجزائريّ، بعد أن كانت مقتصرة على فئة قليلة من المتشبّعين بالثّقافة الفرونكوفونية، ممّن يرون التحضّر في اللّهث خلف زبد الحضارة الغربية، وأصبحت مظاهر الهدايا الحمراء ودمى البابا نويل التي تباع على الأرصفة وفي محلات الهدايا أمرا معهودا في نهاية كلّ عام، وأصبح تخصّص محلات المرطّبات والحلوى في إعداد وبيع أشكال من الحلويات والمرطّباتلها علاقة بهذه المناسبة، من المظاهر المألوفة التي لا تكاد تلقى نكيرا.
مظاهر يعتصر لها قلب المسلم الغيور على عقيدته ألما، وكيف لا يتألّم وهو يرى أحفاد الصّحابة الفاتحين يحتفون بكريسماس النّصارى المشركين، ويُظهرون الفرح في ليلة يزعم النّصارى أنّها ليلة ميلاد « ابن الربّ » (تعالى الله عمّا يقولون)!.. إنّها نكسة من أعظم النّكسات التي انحدر إليها بعض الجزائريين الذين يدينون لله بدينٍ يرغّب في مخالفة النّصارى في أخلاقهم وسمتهم وفي عاداتهم التي هي ليست من صميم دينهم المحرّف، ويحرّم أشدّ التّحريم تقليدهم فيما هو من صميم دينهم، ويشتدّ التّحريم إذا كان التّقليد مرتبطا بشركهم وما يعتقدون في حقّ الواحد الأحد، حيث ينسبون إليه الولد، تعالى الله عمّا يقولون، ((وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91))) (مريم)؛ جزائريون سوّلت لهم شياطين الإنس والجنّ الاحتفال بعقائد النّصارى، وأنستهم قول الله جلّ وعلا: ((ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُون – إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِين)) (الجاثية، 18- 19)، وقول النبيّ المصطفى عليه الصّلاة والسّلام: « من تشبّه بقوم فهو منهم » (رواه أبو داود).. جزائريون مسلمون يحيون ليلة الميلاد، غير آبهين باجتماع كلمة علماء الأمّة المسلمة على أنّ تقليد الكفّار فيما هو متعلّق بدينهم، كبيرة من أعظم كبائر الذّنوب والموبقات، بل ربّما يصل (التّقليد) بصاحبه إن هو أحبّه ورآه حقا، إلى الكفر الصّراح. يقول ابن القيم رحمه الله: « وأمّا التّهنئة بشعائر الكفر المختصّة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنّئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرّمات، وهو بمنزلة أن يهنّئه بسجوده للصّليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشدّ مقتاً من التّهنئة بشرب الخمر وقتل النّفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممّن لا قدر للدّين عنده يقع في ذلك ولا يدري قبح ما فعل » (أحكام أهل الذمة، 1/ 441).. هذا في حقّ من يهنّئ النّصارى بعيد الميلاد، فكيف بمن يحتفل به؟
إنّ تعظيم ليلة ويوم الميلاد (الكريسماس)، يتضمّن الرّضا بعقيدة النّصارى وقولهم في عيسى -عليه السّلام- بأنّه ابن الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وصاحبُه إن سلم من الكفر فقد وقع في كبيرة من أشنع الكبائر، كما تحرم الإعانة على إحياء هذا الاحتفال بأيّ شكل من الأشكال، ويحرم بيع وشراء دمى البابا نويل، وبيع وشراء الحلوى والمرطّبات المصنوعة على شكل شجرة أو جذع شجرة (لابيش)، كما يحرم تبادل الهدايا والتّهاني بهذه المناسبة، بل ويحرم شراء زجاجة عصير أو أيّ شيء آخر بقصد تعظيم هذه المناسبة.
فالحذر الحذر أخي المؤمن، فإنّ الأمر جدّ وليس بالهزل. الأمر يتعلّق بالعقيدة، ولربّما يسخط الله عليك بسبب تعظيمك لأعياد من آذوه ونسبوا إليه –سبحانه وتعالى- الولد، وربّما تُذاد وتبعد يوم القيامة عن حوض النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، لأنّك تركت سنّته واتّبعت عادات من كفروا به وآذوه.