غدا يوم جمعة آخر، يستعد الجزائريون للخروج فيه إلى الشوارع والساحات، بشعار واحد ورئيسي « لا للعهدة الخامسة » للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. البعض أطلق عليها « جمعة الغضب » والبعض الآخر يطلق عليها « جمعة الحسم »، وبين التسميتين كلمة واحدة للشعب الجزائري، مفادها التغيير ثم الإصلاح وليس العكس.
برأي الكثير من المتابعين، منذ سنوات لم تعرف الجزائر مثل هذه الاحتجاجات ذات الطابع الوطني، رغم أن الداعي أو المنادي إليها « مصدر مجهول » عند الشعب الجزائري، لكنه حتما « معلوم » عند من يهمهم أمر البلاد والعباد، بفضل ما تمتلكه أجهزة الأمن الجزائرية من قدرة فائقة على التعرف على هوية هؤلاء وأولئك الذين أقنعوا مئات الآلاف من النساء والرجال بالخروج وعلى صوت رجل واحد برسالة واحدة، مختصرة وواضحة.. فُهمَت من طرف من يهمّهم الأمر وبشهادة العالم أجمع.
وعلى مدى أسبوع كامل، صارت الجزائر محط أنظار العالم، بعدما عادت إلى تصدر المشهد الإعلامي الدولي، ليس بفضل حمام الدم الذي كانت تسبح فيه في تسعينات القرن الماضي، وإنما بفضل هذه « الهبّة الشعبية » السلمية والحضارية التي أثبتت درجة عالية من النضج والغيرة على الوطن وعلى مؤسساته ورموز سيادته.
لقد كان الجزائريون على موعد مع التاريخ، ودليل ذلك هو اتفاق الموالاة والمعارضة، اللتين ولأول اجتمعتا على موقف واحد، عازفتين على أوتار الإشادة والتنويه والإعجاب بمستوى النضج الذي كشف عنه « الجزائريون الغاضبون » بمختلف فئاتهم وألوانهم وإيديولوجياتهم، ما جعل قوات الأمن تقف شاهدة على أجمل صورة لـ »الشعب السيد والمصدر الأول والأخير لكل السلطات »، حتى و »إن كان عرضة للتهميش والضحك عليه مرات ومرات »، تارة بأمنية العيش الكريم وبالهمّة الشامخة وبالأنف في السماء! بسبب انتهاك « دخلاء » حرمة الدولة، باستغلال غياب الرئيس بسبب مضاعفات المرض.. فأصيبت الجزائر بالهوان وصار هؤلاء هم الآمرون والناهون، يُحيُون ويُميتُون من شاؤوا ممن لا ينفذ الأوامر ويحقق الرغبات ولو على حساب الدستور والقانون والأعراف.. بل وعلى حساب الجزائر وتاريخها الذي يضرب به المثل.
وتجدر الإشارة إلى أن ما حدث وسيحدث لم يكن غائبا عن عيون وآذان السلطة، فقد تلقت منذ أسابيع بل أشهرا تقارير تفيد بعدم تقبل الشارع الجزائري لمشروع « العهدة الخامسة » لاعتبارات واقعية تتعلق بالسياق الداخلي والدولي الذي يتطلب حركية جديدة في التعاطي معها.
ومع ذلك، بقيت السلطة راضخة لما يمكن أن يكون تقارير مضادة تتحدث عن « تقبل » الشارع لفكرة الاستمرارية التي أصيبت في مقتل بعد أن وقع الإعلان عنها بعد الإطاحة برئيس المجلس الشعبي الوطني السعيد بوحجة وتهديم « رمزية » البرلمان في عقول الجزائريين باستعمال « الكادنة والسلاسل »، وبتلك الفعلة الشنيعة كانت بداية النهاية للقصة.
وما اختيار النزول إلى الشارع إلا وسيلة من طرف « الحالمين بالتغيير » للتأكيد على أنه حان للسلطة ورموزها « لتتجرّع » فضائل سياسة « شرعية الواقع »، فهل سيشارك الجميع في وضع نقطة النهاية للقصة؟ أم أن هناك من اختار فتح فصل جديد، الله وحده يعلم كيف سينتهي؟
elkhabar