تضمن قانون الصحة الجديد، الذي سيعرض على البرلمان قريبا، مادة أثارت جدلا كبيرا بين الأطباء وجمعيات المرضى، التي حصرت العلاج في المستشفيات لحاملي بطاقة « شفاء » الذين يدفعون اشتراكاتهم الشهرية، دون سواهم، ما قد يحرم حسب المتخوفين عددا كبيرا من الجزائريين من العلاج، خاصة أن الاقتراح الجديد حسبهم متناقض مع مبدإ مجانية العلاج.
وفي الموضوع، أكّد رئيس المجلس الوطني لعمادة الأطباء الجزائريين، الدكتور بقاط بركاني محمد، أن المقترح الجديد الذي يتضمنه مشروع قانون الصحة الذي سيعرض قريبا على الغرفة السفلى لمناقشته، المتعلق بحصر العلاج في المستشفيات على الفئات الحاملة لبطاقة « شفاء »، هو إجراء « إيجابي، يجب تثمينه والسعي لتجسيده ميدانيا… »، مطمئنا الجزائريين الذين لا يحوزون بطاقة « شفاء » خاصة من البطالين وغير المؤمنين لدى الدولة، بأن عليهم المسارعة إلى استخراجها من مصالح الضمان الاجتماعي، خاصة أن الدولة الجزائرية وفّرت جميع سبل الحصول على البطاقة للعاملين والبطالين، عبر مختلف صناديق الضمان الاجتماعي والبلديات ووزارة التضامن الوطني.
وأكد محدثنا أن هدف الدولة من هذا الإجراء، هو تنظيم مجال العلاج في المستشفيات العمومية، التي أصبحت، حسب تعبيره « مفتوحة لمن هب ودب للعلاج… »، موضحا: « كثير من المغتربين والأشخاص الأجانب يقصدون مستشفيات معينة في الجزائر للتداوي، فلا يدفعون فلسا واحد، حارمين غيرهم من الجزائريين من العلاج… فمثلا مستشفى وهران كان يقصده في وقت معين عشرات المغاربة، يُجرون فيه مختلف العمليات الجراحية، ولا يسددون دينارا واحدا، وهي أعباء تثقل كاهل الدولة الجزائرية، وهي ظاهرة غريبة لا نجدها إلا في الجزائر… ». ومن هذا المنطلق، وجب على الدولة، حسب بركاني تنظيم قطاع المستشفيات مستقبلا، وإجراء إحصاءات عدديّة عن مرتادي المستشفيات.
كما نفى محدثنا وجود أي نية للدولة في رفع الدعم عن الأدوية، مؤكدا بالقول: « لا يوجد أي مقترح في مشروع قانون الصحة الجديد يتحدث عن رفع الدولة دعمها عن سوق الدواء… ».
إظهار بطاقة « شفاء » مقابل لقاح الأنفلونزا بالمستوصفات
وفي موضوع ذي صلة، اشتكى بعض المواطنين ممن قصدوا مراكز الصحة الجوارية للحصول على لقاح الأنفلونزا، طلب الأطباء ضرورة استظهار بطاقة « شفاء »، وهو إجراء لم يكن معمولا به في السابق، خاصة بالنسبة إلى كبار السن، ممن تعدوا 65 سنة من أعمارهم، حيث كانوا سابقا يقصدون المراكز الصحية ويجرون التلقيح بصفة عادية دون إظهار أي بطاقة.
وفي هذا الصدد، اتصل شيخ متقاعد بـ « الشروق »، وأكد لنا أنه قصد المؤسسة العمومية للصحة الجوارية بالدرارية بالعاصمة، للحصول على لقاح الأنفلونزا الموسمية كعادته، فتفاجأ بالطبيب يكتب له اسم اللقاح على وصفة طبية، طالبا منه اقتناءه من الصيدلية باستعمال بطاقة « شفاء » والحضور لاحقا لحقنه.
مرابط: بطاقة الشفاء لا معنى لها إذا لم يراجع قانون الضمان الاجتماعي والتعويضات
يرى رئيس نقابة مستخدمي الصحة، إلياس مرابط، أنه لا يكفي استحداث آليات جديدة أو ترتيبات لتحسين الخدمة الصحية، فإجبارية بطاقة الشفاء للاستفادة من مجانية العلاج، تتطلب إصلاحات في منظومة الخدمات والضمان الاجتماعي التي يجب إعادة النظر فيها ومراجعتها، لأنها لا تتماشى والتطورات الحاصلة في قطاع الصحة.
واستغرب النقابي إعادة النظر في قانون الصحة، رغم أنها خطوة جيّدة للغاية، دون إرفاقها بمراجعة مثيلة لقوانين الضمان الاجتماعي ذي الصلة الوطيدة بقطاع الصحة، مع أن كلاهما يعود إلى عهد أكل عليه الدهر وشرب، وبالتحديد إلى سنوات 1985 و1983، بل إن قوانين الضمان الاجتماعي أقدم من الصحة.
وتطرق مرابط إلى عدم تحيين قائمة الخدمات الطبية وشبه الطبية منذ عام 1987، والأمر نفسه بالنسبة لقائمة مستويات التعويض.
وفصل المتحدث في الموضوع بصفة أكثر، عندما تطرق إلى العديد من العمليات الجراحية غير المدرجة على قوائم التعويض، وكذا العديد من الأشعة والتحاليل التي تعوض حاليا بطريقة جزافية، على غرار السكانير والتصوير الطبي والعمليات الجراحية التي لا تعوّض، ومنها الجراحة بالمنظار والجراحة القيصرية، وكذا بعض جراحات الأذن والحنجرة والعين.
وأضاف المتحدث أن بطاقة الشفاء سيكون لها الأثر في المؤسسات الصحية العمومية فقط، رغم أن الحصول على فرصة للعلاج فيها يكاد يكون مستحيلا، سيما عندما يتعلق الأمر بالعمليات الجراحية، ويزيد استحالة بالنسبة للحالات المستعجلة، حيث يموت أغلب المرضى على قوائم الانتظار.
خياطي: « الثلث المدفوع » إشكال يخلط الأوراق ويغتال المجانية
اعتبر البروفيسور خياطي رئيس « الفورام »، أن اعتماد بطاقة الشفاء خطوة محمودة جدا، غير أن الإشكال يطرح بالنسبة للفئات الهشة بسبب للثلث المدفوع المتمثل في حوالي 20 بالمئة، حيث إنّ مشروع القانون لم يحدد قيمة هذا الثلث المدفوع، ولا الطبقات المعنية به، وفسّر الحديث بالقول إن بعض العمليات الجراحية المكلفة تتطلب تسديد مبالغ لا يقوى عليها ذوو الدخل المحدود، وهو ما يضعهم في ورطة حقيقية، ويهضم حقوقهم في مجانية العلاج.
وفي هذا السياق، طالب خياطي بضرورة التكفل بالطبقات الهشة بصفة كلّية، على اعتبار أنها أغلبية وتمثل أكثر من 70 بالمئة من الأشخاص الذين يتقاضون أقل من 40 ألف دج.
وكشف خياطي عن ثغرات كثيرة لقانون الصحة الذي يحمل في ظاهره خطوطا عريضة حافظت على مجانية العلاج، لكن الخوض في التفاصيل الدقيقة يضع الجبهة الاجتماعية على صفيح ساخن، حيث أغفل القانون علاج المسنين، واكتفى بالحديث عن إعادة تأهيلهم والتكفل بالجانب السيكولوجي، ونفس الأمر بالنسبة للأطفال والشباب، عندما ركّز على الجانب الوقائي واللقاحات والفحوصات الجوارية، دون التطرق للاستشفاء والمشاكل الصحية العويصة.
بوعلاق: بطاقة الشفاء ستحمي حق الفئات الهشة في العلاج وتحسن الخدمة
أثنى عبد الحميد بوعلاق رئيس الجمعية الوطنية لمرضى التهاب الكبد الفيروسي، على إجبارية استظهار بطاقة الشفاء في الاستفادة من مجانية العلاج في المستشفيات، حيث قال « لا توجد أي فئة في الجزائر محرومة من بطاقة الشفاء، حتى الطبقات الهشة والمحرومة بإمكانها امتلاكها عن طريق وزارة التضامن الوطني، التي تتكفل بحمايتها والتسديد عنها ».
وأضاف بوعلاق أن بطاقة الشفاء ستكون بمثابة الحماية لجميع العمال المؤمنين وغير المؤمنين، حيث ستجبر كثيرا من أرباب العمل على تأمين عمالهم، كما أنها ستكون وسيلة لضبط وحصر الفئات التي تتداول أموالا كثيرة وتهرول للعلاج المجاني على حساب الفقراء والمساكين.
وعلى صعيد مواز، أوضح بوعلاق أن بطاقة الشفاء ستساهم في تحسين الخدمة العمومية في المستشفيات، عن طريق مداخيل الضمان الاجتماعي التي تسددها مختلف الهيئات، والتي ستحول لاقتناء تجهيزات جديدة وصيانة تلك الموجودة في حالة عطب.
ولأن القطاع العام لا يستوعب جميع المرضى، فإن بوعلاق دافع بقوة عن نظام التعاقد مع الأطباء الخواص، ولو أنه أمر صعب في الوقت الحالي، ويكاد يكون مستحيلا في ظل الأزمة المالية التي تمر بها الجزائر، علما أن القطاع الخاص يساهم بشكل كبير في الخدمات الطبية المقدمة للمرضى في بلادنا.