لا تفصل قسنطينة عن تظاهرتها التاريخية، كعاصمة للثقافة العربية، إلا شهرا واحدا، إذ برمج الانطلاق يوم 16 أفريل 2015، وسط تخوف كبير من الفشل، في ظل تأخر إنجاز المشاريع المبرمجة للتسليم، وبالنظر إلى المؤشرات والمعطيات الموجودة والتهم الموجهة للمحافظة، بتبذير أموال التظاهرة. تقف ”الخبر” في جولة استطلاعية على تقدم الأشغال ومدى استعداد المدينة لاستقبال ضيوفها، خاصة وأن الكثير من الجهات المشرفة أكدت في السابق أن قسنطينة، لم تكن جاهزة منذ البداية لاحتضان هذه الفعالية العربية، أين ستجد الولاية نفسها مجبرة على استقبال الوفود المشاركة وسط ورشة عمل مفتوحة.
ضمت أجندة تظاهرة ”قسنطينة عاصمة الثقافة العربية” قبل 10 أشهر، تسليم 25 مشروعا قبل شهرين من بدايتها، ليتقلص العدد ويصل على بعد شهر من الانطلاق، إلى تسليم ثلاثة مشاريع فقط، ستتحمل عبء التظاهرة كلها تقريبا، ويتعلق الأمر بـقاعة العروض الكبرى ”زينيت” التي سيختار لها اسم وطني، قصر الثقافة محمد العيد آل خليفة ودار الثقافة مالك حداد.
لا خيار عن تسليم 3 مشاريع قبل تاريخ 25 مارس
قامت ”الخبر” للوقوف على مدى جاهزية المشاريع، بزيارة ميدانية لها، بداية من قاعة العروض الكبرى ”زينيت” ذات الأبعاد الثلاثية التي تتربع على مساحة 43 ألف متر مربع، يشرف على إنجازها المجمع الصيني ”تشاينا ستايت إنجنيورينغ كوربورايشن”، وهو الوحيد الذي التزم بالوقت المحدد في الإنجاز والمقدّر بسنة واحدة، حيث تحمل هندسة معمارية فريدة أصبحت معلما ظاهرا بقسنطينة. علما أن تكلفتها الإجمالية قدّرت بـ 110 مليار سنتيم، كما أن واجهتها الخارجية المغطاة بالألمنيوم تعد استثنائية وتشبه القاعات العالمية، حيث تقدّر نسبة تقدم الأشغال بها بـ 97 في المائة بعد أن شارك قرابة 1500 عامل ومهندس وتقني في إنجازها وينتظر تدشينها في 25 مارس القادم. وجدنا القاعة في المرحلة الأخيرة من الأشغال، ويتعلق الأمر بالتهيئة الخارجية من خلال وضع أعمدة الإنارة والأضواء الكاشفة وخلق المساحات الخضراء، وتضم القاعة 3 آلاف مقعد، منها المتحرك والخاص بذوي الاحتياجات الخاصة، إلى جانب منصة للعروض بمقاييس عالمية تتربع على 600 متر مربع، غرف للتبديل وقاعات عروض أخرى متنوعة على غرار قاعة للسينما، إضافة إلى فضاءات مخصصة للانتظار وللمتفرجين، كما أن الإضاءة الداخلية قدمت على مستوى عالي، وتم وضع التجهيزات الخاصة بالشق الفني والتقني من طرف الإيطاليين في انتظار وصول بقية التجهيزات.
قادتنا الزيارة إلى المحطة الثانية دار الثقافة ”مالك حداد”، وهو ثاني مشروع، كان من المفترض أن تنتهي الأشغال به ديسمبر الماضي، لكنها تأخرت بشكل كبير بعد سحبه من مكتب دراسة جزائري، ليمنح في الأخير لمكتب جزائري تونسي، مع تدعيمها بفرق عاملة من الصين من أجل تدارك التأخر، حيث تسارعت فيه الإشغال لاستدراك التأخر لعدة أشهر، عن طريق العمل بالفرق 24سا/24 سا دون توقف، حيث وصلت الأشغال إلى تلبيس الواجهة الخارجية، بعد أن خضعت القاعة للتوسيع والتغيير، كما لا تزال أشغال كثيرة داخل هذا المشروع الذي تحوم الشكوك حول جاهزيته، رغم تعهدات السلطات بذلك. أما ثالث مشروع تقف عنده ”الخبر” كان مشروع قصر الثقافة ”محمد العيد آل خليفة”، الذي يشهد بدوره عمليات استعجاليه في الإنجاز بفرق عمل 3/8 بعد أن عرف تأخرا في التسليم، بأكثر من 3 أشهر، حيث يتم حاليا تهيئة الطريق الخارجية، بعد أن انتهت الأشغال بالطابقين المخصصين لقاعة المحاضرات، قاعة العروض، المكتبة، ويتم العمل الآن على الجهة الموسعة والتي ستكون كملحق للموقع الثقافي، فيما سيتم تسليم مسرح قسنطينة الجهوي، قريبا، بعد أن خضع لبرنامج إعادة التأهيل، بتغيير مقاعده مع المحافظة على ركح المسرح الذي يعود إلى القرن 18.
مشروع قصر المعارض في مهب رياح الاسبان
بعد جولات ماراطونية بين الطرف الجزائري والإسباني فيما يخص إنجاز قصر للمعارض بأعالي عين الباي، الذي لا تتعدى نسبة إنجازه 1 بالمائة، تم سحب المشروع نهائيا شهر فيفري الماضي من المجمع الإسباني، الذي عوّض مجمع آخر من نفس البلد، أخلى ببنود العقد الذي أبرم معه فيما يخص الدراسة والإنجاز، حيث لا يزال المشروع المحاذي لقاعة ”زينيت” مجرد أرضية خرسانية ولا تتعدى وضع الأساسات ليتوقف المشروع نهائيا، ولن يكون جاهزا وربما سيلغى من البرنامج، حيث اضطرت محافظة ”الصالون العربي للكتاب” المزمع تنظيمه من 20 إلى 30 ماي القادم، إلى التنقل إلى جامعة قسنطينة من أجل تعويضه، فيما تبخّرت فكرة احتضان قسنطينة للمعرض الدولي للكتاب هذه السنة، عوضا عن العاصمة. وقد التزم المجمع الإسباني في تعهد وقعه مع ولاية قسنطينة، بتسريع وتيرة الإنجاز وتسليم المشروع شهر مارس القادم، بعد تدخل السفير الإسباني لتجديد الصفقة، على إثر سحبها منه بقرار من السلطات المختصة، وأن المجمع أوهم الوزيرة بوصول التجهيزات الخاصة به إلى ميناء وهران من اسبانيا، إلا أنه لم يلتزم بأي بند من التعهد. ويعد مشروع ”قصر المعارض” من المشاريع الأولى المسجلة منذ قرابة السنتين في إطار برنامج ”قسنطينة عاصمة للثقافة العربية” مع قاعة العروض الكبرى ”زينيت”، وقد قدمت وزيرة الثقافة السابقة والحالية وعودا بإنجاز هذا القصر وتسليمه أوائل سنة 2015.
77 مشروعا أثريا في خبر كان
وقفت ”الخبر” كذلك على مشاريع التراث المادي، التي لا تزال تراوح مكانها ومرهونة بالوقت، ويبدو أنها لن تنجز إلا بعد اختتام التظاهرة، وربما تلغى، حيث توقفت معظم مشاريع الترميم المدرجة في برنامج الحفاظ على التراث المادي، والتي شملت قائمة إعادة الاعتبار لـ 74 موقعا، أغلبها بالمدينة القديمة، من بينها مساجد وحمامات ومواقع تم اختيارها حسب مختصين للترميم، هذه الأخيرة أغلقت أغلب مشاريعها وهجرتها جميع المقاولات، التي أكدت أن غياب السيولة المادية دفعها للرحيل. فيما أرجعت مصادر رسمية السبب لوجود أخطاء على مستوى عقود أصحاب المشاريع، التي لا تتماشى مع دفاتر الأعباء، مما دفع إلى رفع التحفظات للجنة الولائية للصفقات العمومية لإعادة النظر في الأمور الوثائقية، والتمكن من صب الأموال للمقاولات، الأمر الذي أدى إلى غلق أشغال عديد مشاريع الترميم لحد الساعة.
لافتات باسم متاحف غير موجودة
سجلت تظاهرة عاصمة الثقافة العربية، في بادئ الأمر أزيد من 5 متاحف بقسنطينة، حيث أن المدينة تضم متحفا وحيدا ”سيرتا” موجود في ”كوديا عاتي”، إلى جانب متحف ”المجاهد”. وبرمجت وزارة الثقافة عدة متاحف جديدة انطلقت بأشغال بطيئة جدا ومنها من توقف، ولن تكون جاهزة إلى ما بعد نهاية التظاهرة، حسب بعض المختصين. يعتبر إنجاز ”متحف الفن والتاريخ”، بحي زعموش، من المشاريع الأولى المسجلة، حيث صادف عدة مشاكل بسبب انزلاق التربة، وقد حاول فريق ”الخبر” الدخول لمعاينته، إلا أنه لم يجد أحدا، ولا يزال عبارة عن حفرة عميقة مغطاة، وأكد أحدهم لـ”الخبر” أن صفقته منحت لمكتب إسباني عوضا عن الجزائري، وتتطلب عملية إنجازه سنة على الأقل، من أجل تسليمه، هذا إن تم الانطلاق فعليا في الأشغال، فيما أن مشروع تحويل إقامة الولاية ومقر المجلس الشعبي الولائي السابق المحاذي لمحافظة التظاهرة إلى مركز للفنون، الذي منح لمكتب دراسات جزائري سيسلم شهر مارس من المستحيلات، إلا أن اللافت للنظر، أن المشروع ورغم عدم جاهزيته فقد وضع فوقه لافتة كبيرة مكتوب عليها ”مركز للفنون”.
نجد من بين المشاريع غير المنجزة، متحف الشخصيات الثقافية والتاريخية، الذي تم نقله إلى مدرسة ”ابن باديس” بحي العربي بن مهيدي، المشروع الذي سبق وأن أعرب والي قسنطينة عن عدم رضاه عن إنجازه، حيث تم سحبه مرتين من مكتب جزائري، وسلّم إلى مكتب صيني انسحب قبل إتمامه، ولا يزال لحد الساعة ورشة أشغال بدون فرق عمل، الوضع نفسه ينطبق على ”الأروقة السابقة” التي سيعاد تهيئتها وترميمها وتحويلها إلى متحف للفن المعاصر، والتي ما تزال ورشة مغلقة، فيما لم تنطلق عمليات ترميم جزء من ”قصر أحمد باي” مع الإسبانيين. بينما لا يزال مشروع ”المكتبة الحضرية” المحاذي لحظيرة زعموش مجرد هيكل بطوابق، إلا أن عمليات الإنجاز تسير بوتيرة أسرع خلال الأشهر الأخيرة، وقد عرف هذا الأخير تأخرا بفعل العثور على قطعة أثرية أسفله، أدت إلى إعادة تخطيطه ودمج المساحة الأثرية، إلا أنه لن يسلّم قريبا حسب سير الأشغال.
رحلة ماراطونية لإيجاد بديل عن الفنادق المغلقة
تعود من جديد، قضية الإيواء لتطرح على الواجهة، وبدأ القائمون في رحلة بحث عن الفنادق البديلة من أجل تخفيف الضغط، الذي أكدت مصادر أنه سيكون بدرجة كبيرة خلال الأيام الأولى من التظاهرة، حيث تم فتح فندق ”الخيام” بالوحدة الجوارية الأولى، والذي يتسع لـ 300 سرير، عوضا عن نزل ”سيرتا” الذي تسير أشغاله بوتيرة بطيئة وأحيانا تتوقف لأسابيع، وفندق ”بانوراميك” الذي يتوقع تسليمه شهر ماي القادم، المشروعان اللذان يتكفل بإنجازهما مجمع صيني، كما ستعطى إشارة افتتاح فندق خمس نجوم التابع لسلسلة ”ماريوت” الأمريكية خلال الأسابيع القادمة، هذا الأخير الذي أوكلت مهمة إنجازه لمؤسسة صينية بتكلفة 14 مليار دينار، حيث يحتوي على مرافق عديدة. وحسب مصادر مطلعة، فإن الفندق سيفتتح لأيام ثم يغلق لاستكمال التهيئة الخارجية، ورغم توفر فنادق ”أبيس نوفوتيل”، ”قوس قزح” و«حسين” وهي أهم المرافق الموجودة، إلا أنه سيتم الاستعانة ببعض المنازل للإيواء وبعض المؤسسات من أجل توفير الطعام للوفود المحلية الجزائرية.
10 دوائر لم تكشف عن برنامجها
حاولت ”الخبر” الاتصال بمصادر عديدة على صلة بمحافظة ”قسنطينة عاصمة للثقافة العربية”، من أجل الاستفسار حول البرنامج العام لباقي الدوائر وعددها عشرة، لم تفصح عن برنامجها قبل شهر من بداية العروض، باستثناء دائرة المسرح والديوان الوطني للثقافة والإعلام، خاصة منها دائرة الأفلام التي كشف بعض المسؤولين بها عن مجموعة من الأفلام الجديدة، وهو الأمر نفسه لدائرة الكتاب، حيث تم الحديث سابقا عن طبع 1000 كتاب في إطار الاحتفالية، فيما أرجعت مصادر أخرى السبب إلى ميزانية التظاهرة الضئيلة المقدرة بـ 7 ملايير دج مقارنة بحجم البرنامج المسطر، والذي أدى إلى صرف جزء كبير منها في البرامج المعلن عنها في البداية، حيث أشارت ذات المصادر إلى أن الميزانية تثير المخاوف ويمكن الاصطدام بقلة المورد المالي، بعد مرور أشهر عن بداية التظاهرة.
طلاء الواجهات وتزيين المدينة وإعادة الاعتبار لـ 400 واجهة لم تنته
يعد برنامج إعادة الاعتبار للمدينة القديمة وطلاء البنايات لأهم شوارع قسنطينة، النقطة التي نغّصت يوميات المواطن القسنطيني والتجار الذين تحدثوا عن تراجع تجارتهم بفعل عملية الطلاء والحواجز الواقية التي نصبت في كل أماكن وجعلت حركة المرور مستحيلة جدا وخلقت فوضى وسط المدينة، لأن العملية انطلقت متأخرة وفتحت في وقت واحد، حيث منح لها مدة 6 أشهر لإعادة الاعتبار لقرابة 400 بناية وسلمت لشركات إنجاز محلية عرفت سحب وإسناد كل مرة إلى مقاولات أخرى، وقد حدد شهر فيفري في بداية الأمر لغلق العملية، إلا أن الواقع يثبت أن الأشغال ما زالت تحتاج لوقت أطول، خاصة في شارعي بلوزداد وعبان رمضان وشوارع أخرى، خاصة وأن هذه المناطق ستشهد الكرنفال الشعبي لليلة 15 أفريل، فيما أعيدت أشغال عدة زوايا في شارع 19 جوان الذي يعد شريان المدينة بعد توجيه إعذار للمقاول، حيث لوحظت عدة عيوب وتحول الشارع إلى كارثة بعد سقوط كميات من الأمطار وأصبح أسوأ مما كان عليه من قبل، وقد انتقد العديد من المختصين والخبراء العملية التي كانت مجرد طلاء ولم تخضع البنايات القديمة إلى إعادة الإعتبار، حيث من شأنها أن ترجع إلى حالها الأول في أي وقت.
حالة استنفار لتنظيف قسنطينة والمواطن مستاء
غرقت قسنطينة خلال الأشهر الأخيرة، في الأوساخ والقمامات بمختلف شوارعها، إلى جانب انتشار للأتربة وبرك الوحل الناتجة عن أشغال الحفر في الطرق التي تعاني أغلبيتها التدهور، كما ظهر نوع آخر من النفايات وهي الصلبة الناتجة عن بقايا المشاريع وبرنامج تهيئة وتحسين واجهة المدينة لاستقبال الوفود العربية، حيث جعلت الوضعية السلطات أمام حالة استنفار، كون بقاء المدينة على حالها سيكون فضيحة أمام الوافدين عليها، حيث استعان قطاع سيدي راشد بالشركة البرازيلية التي أشرفت على إنجاز الجسر العملاق، من أجل رفع النفايات المتواجدة أسفل جسر سيدي راشد، كما ستنطلق حملة تنظيف على حواف ”وادي الرمال”، من قبل عناصر الحماية المدنية، في حين استنجدت بلدية قسنطينة بوزارة الأشغال العمومية ومحافظة الغابات من أجل جمع النفايات الصلبة للأحياء الفوضوية، التي تم ترحيلها وإزالة بقاياها التي تشوه وبصورة كبيرة المنظر العام. ووضعت صورة المدينة ”غير النظيفة” ثلاث وزارات
و16 ولاية إلى جانب ولاية قسنطينة، في موقع حرج من أجل ”تلميعها” في مدة 30 يوما. بينما عبر المواطن القسنطيني عن استيائه بفعل المشاريع والورشات المفتوحة في كل زاوية، خاصة أنه تم غلق طرق هامة وتضييق في بعضها دون سابق إنذار، مما خلّف حالة من الضغط المروري، مع كثرة الأوحال والحفر بفعل الأشغال، زادت من حدتها ورشة طلاء الواجهات وإعادة الاعتبار لبعض البنايات التي احتلت الكثير من الأرصفة، حيث لا يزال المواطن غير مرتبط فعلا بالتظاهرة في غياب عمل جواري، حيث أن أغلبية من سألتهم ”الخبر”، أكدوا عدم اكتراثهم بها وعدم تفاؤلهم من جاهزية قسنطينة مع الاحتفال، حيث يرى الكثيرون أن التظاهرة لم تخضع لمخطط دقيق منذ البداية.