- كواليس اجتماع كبار المسؤولين حول أحداث الربيع الأمازيغي
- منع مولود معمّري قرار غبيّ وأحداث 1980 لم تكن عفويّة
- بوعلام بسايح أخذ منصبي في سهرة رمضانية مظلمة!
- بومعزة متسلّط والكولونيل بوبنيدر كان خصمه اللدود
- هكذا اتصلت بالعربي بلخير والهادي لخذيري لكسر إضراب التلاميذ
- يكشف وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأسبق عبد الحق برارحي، في مذكراته الجديدة « مساراتّ، من الجامعة إلى السياسة »، عن أحداث وتفاصيل مرحلة مهمة من تاريخ الجزائر خلال فترة السبعينات وثمانيات القرن الماضي، خاصة ما تعلق بالصراع الأيديولوجي الذي اتخذ من الجامعة واجهة له، حيث يقدم وزير التعليم العالي في عهد الشاذلي بن جديد لأول مرة شهادته عن أحداث الربيع الامازيغي، وخلفيات منع محاضرة مولود معمري، وكذا دوافع استقالته من مجلس الأمة، وقطيعته مع النظام، إضافة إلى قضايا الإصلاح الجامعي وعلاقته بالرئيس.
-
يتوقف برارحي في الجزء الأول من مذكراته التي اطلعت عليه « الشروق »، وصدرت منذ أيام عن « منشورات نسيب » عند الإصلاحات الجامعية التي عاشها كعميد لجامعة قسنطينة خلال عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، حينما قاد إصلاحات التعليم العالي الوزير محمد الصديق بن يحيى منذ 1971 .
يعتبر وزير الشباب والرياضة الأسبق عبد الحق برارحي، من مواليد عين البيضاء عام 1940، والده الإمام المعلم الأول في حياته، حيث كان لتربيته المحافظة آثار في التزامه السياسي والنضالي لاحقا داخل وخارج دهاليز السلطة.
برارحي الذي قضى معظم شبابه في خنشلة، يعتبر أيضا محمد الصالح يحياوي صاحب الفضل في التزامه السياسي والتحاقه بحزب جبهة التحرير وانتمائه إلى اللجنة المركزية ولجان الحزب.
بومدين رفض التعريب الشعبوي والشاذلي وثق في وزرائه
بعد يحياوي وبن يحيى الذي يعتبر برارحي رحيله خسارة فادحة للجزائر، يشيد بصاحب الفضل في مسيرته الرئيس هواري بومدين، الذي مدح ذكاءه السياسي وقدرته على التحليل، حيث يذكر صاحب المذكرات أن بومدين كان يدعو في لقائه مع الطلبة المتطوعين، وخاصة بعد إنشاء « المنظمة الوطنية للبحث الجامعي » وأولى مراكز بحثها في « المركز الجامعي للبحث والدراسات »، أنه « يجب الخروج بالجامعة من برجها العاجي »، كما كان يردد دائما أمام دعاة التسريع في عملية التعريب بتعريب أسماء الشوارع، أن « العربية يجب أن تكون لغة الحديد والصلب ».
بومدين كان ضد القرارات الشعبوية والديماغوجية، ومثله كان خليفته الشاذلي بن جديد الذي كان معاديا للارتجال، فقد وصف الرئيس الذي دخل معه الحكومة في نهاية 1979 بـ »الرجل الكريم، القريب من انشغالات الشعب، كان يحدث أن يدخل الشاذلي في موجات غضب أثناء مجلس الوزراء، بسبب نقص أو خلل في التكفل، أو بطء القرارات التي تمس بالمجتمع ».
وأضاف برارحي « عندما يمنح ثقته لمسئول ما، فإنه يمنحه مطلق الحرية في التصرف، كان هذا هو الحال معي أنا أثناء أحداث الربيع البربري في أفريل 1980، التعليم والصحة كانت في صلب اهتمامات الرئيس الشاذلي وانشغالاته الأساسية »، متابعا « للأسف هناك من رأى نفوذه يتقلص، فسعى وحاول بكل الوسائل تشويه سمعة أولئك الذين اقتربوا بشكل وثيق جدا، وغالبا من الرئيس، حرب المواقع والأجنحة كانت من اختصاص نظام مغلق »، وأوضح كلامه بمزيد من التفصيل، فقال « الأكثر مكرا وفعالية دائما بوجه مكشوف، خاصة في عز مجلس الوزراء، وزير التخطيط عبد الحميد براهيمي، أصبح وزير أول أو عضوا إضافيا في المكتب السياسي ».
بومعزة متسلّط و »صوت العرب » كان خصمه اللدود
كما تحدّث عن المرحوم محمد الصالح بوبنيدر، المدعو « صوت العرب » الكولونيل السابق للولاية الثانية، ورئيس » لجنة المواطنون للدفاع عن الجمهورية »، فقال عنه « تبني خطابا صريحا ومباشرا في الدفاع عن الحريات في البرلمان، كان ضمن مجموعة 11 خصما صريحا لبومعزة وتسييره المتسلط، الكل يتذكر مداخلته في عز رمضان خلال الجلسة العامة المغلقة ».
يذكر برارحي أن صالح بوبنيدر قال له، وهو على فراش الموت في مستشفى مصطفى باشا « عبد الحق… النضال متواصل حتى لو استدعى الأمر أن نعود إلى مؤتمر طرابلس ».
أحداث العروش وراء استقالتي من مجلس الأمة
وعاد صاحب مسارات للحديث عن نفسه فكتب « في السياسة كنت رجلا حرا، سواء كنت في عمادة الجامعة أو في الوزارة، اتخذت قرارات في مواقف صعبة وكنت غير منقاد ، عندما عينت وزيرا للشباب والرياضة تم إرسال لجنة تحقيق إلى قسنطينة لتقصّى التجاوزات في التسجيلات عندما كنت مسؤولا عن التعليم العالي »، قبل أن يؤكد أن استقالته من مجلس الأمة في 14 جوان 2001 تدخل في إطار نضاله داخل النظام، عشية مسيرة العروش في العاصمة، فقد جاءت بناء على سببين أساسيين هما: رفض لجنة التحقيق في منطقة القبائل بخصوص اغتيال المواطنين الأربعة الأوائل قبل أن يصبحوا 127، اللجنة التي طالبت بها في عريضة وقّعت من قبل أعضاء المجلس، وثانيا لرفض تعديل قانون العقوبات الذي يجرّم الصحافة وحرية التعبير، إذن الاستقالة من مجلس الأمة شكلت قطيعة نهائية مع النظام، رفقة كل من مقران آيت العربي وصالح بوبنيدر، والرائد عز الدين، احتجاجا على ديمقراطية الواجهة وميلاد مجلس الأمة كمؤسسة ميتة ».
يذكر أيضا برارحي في شهادته، أنه تم انتخابه ديمقراطيا في لجنة الشؤون الخارجية، قبل أن يتمّ فرض بوعلام بسّايح خلسة « في أمسية رمضانية مظلمة » ويواصل صاحب المذكرات قائلا « شعرت بالراحة عندما استقلت من مجلس الأمة، حدث أنني رغبت في الاستقالة من منصبي كوزير ثلاث مرات، كما فعلت في منصب العميد، بعد ذهاب صديقي محمد الصديق بن يحيى، لكن صديقا في منصب سام أقنعني بالحجة، في نظام مغلق لا نستقيل لكن نستدعى إلى مهام أخرى، والذهاب إلى التقاعد المسبق الذي صار موضة في هذه الأيام » .
لا شعارات انفصالية في أحداث 1980
برارحي عاد أيضا من خلال مذكراته إلى إضراب الطلبة الثانويين في منتصف الثمانيات، لأسباب قال إنها تبقى مجهولة إلى اليوم، حيث خرج تلاميذ الثانوية رافعين شعارات » التاريخ في المزبلة »، وتجمعوا أمام مقر وزارة التعليم العالي في أول ماي، اتصلت في الحال، يقول برارحي، بالعربي بلخير في الرئاسة والهادي لخديري، وتم توجيه التلاميذ إلى ثانوية الأمير عبد القادر في باب الوادي، وأعلمت الوزير المسؤول محمد خروبي الذي التحق بسكرتيرة الدولة ليلى الطيب، والتحق بهم فيما بعد الوالي شعبان آيت عبد الرحمان والمحافظ محمد رايس، الذي طلبت منه حضور الجمعية العامة، وكانت أول مرة ينشّط وزير في الحكومة على المباشر مع المواطنين على القناة الإذاعية الثالثة، وتم تكسير الإضراب وعاد كل شيء إلى طبيعته.
يصف عبد الحق برارحي في مذكراته أحداث الربيع الامازيغي التي شهدتها تيزي وزو في أفريل 1980 بالتحول الديمقراطي، قائلا « إن الأحداث التي انفجرت مثل عاصفة رعدية في سماء تبدو هادئة، هي أبعد ما تكون عن أحداث عفوية، انطلقت من المركز الجامعي لتيزي وزو، قبل أن تنتقل إلى العاصمة وتشل الحركة الاحتجاجية عالم الشغل وقطاعات واسعة من المجتمع المدني ».
يؤكد صاحب المذكرات أن أحداث الربيع الامازيغي كانت زلزالا وتحولا في مساره كسياسي وكوزير، وشكلت تغيرا في طريقة إداراته للازمات ومواجهة الصراعات، وكانت ثاني تحدى يواجه الوزير بعد إضراب الطلبة المعربين في ديسمبر 1979 .
في شهادته عن الأحداث، يشدد برارحي على أن بعض اللافتات التي تم رفعها أثناء الأحداث طالبت بحرية التعبير والديمقراطية ورد الاعتبار للثقافة الامازيغية، إلى جانب ترسيم اللغة الامازيغية التي كانت حتى ذلك الوقت تدرس كلهجة اختيارية بالجامعة المركزية في دروس مسائية، مؤكدا في مذكراته أنه لم يتم رفع أي شعارات انفصالية خلال أحداث المركز الجامعي لتيزي وزو.
هكذا تقرّر استعمال القوة العمومية واقتحام الحرم الجامعي
يرجع الوزير برارحي اندلاع أحداث العنف في منطقة القبائل « إلى القرار الغبي في منع محاضرة مولود معمري في المركز الجامعة لتيزي وزو في 10 مارس 1980، وفي 7 افريل 1980 نظمت مسيرة للطلبة والأساتذة تندد بهذا المنع وتم قمعها بعنف »، كما يذكر الكاتب « أن محاولات إطلاق الحوار التي بدأت باستقباله وفد عن الطلبة في 13 افريل في مقر الوزارة تمت بفضل الوالي سيدي السعيد، الذي لعب دورا كبيرا في محاولات التهدئة، بعد توسيع الحركة الاحتجاجية، وانضمام الشارع بمنطقة القبائل وجزء من العاصمة إلى الإضراب، لمساندة مطالب الجامعيين، حيث تم في 20 افريل اقتحام الحرم الجامعي.
وفي شهادته عن الأحداث يقول برارحي « عشية اقتحام الحرم الجامعي، عقد اجتماع في العاصمة في مقر حزب جبهة التحرير، ضم منسق الحزب والوزير الأول، بحضور وزير التعليم العالي، ومسؤولي الأجهزة الأمنية، مع وزير التربية الوطنية محمد شريف خروبي، ووزير العمل والتكوين المهني، رفقة الأمين العام لاتحاد العمال الجزائريين، إضافة إلى والي تيزي وزو سيدي السعيد، ودار النقاش حول الموقف الذي يجب اتخاذه حيال الإضراب، الذي طفا مثل بقعة زيت، ولكن تمت مناقشة احتلال الحرم الجامعي.
وفي المحصلة صدرت التعليمة الوزارية الصادرة في 16 افريل لإنهاء الحصار، غير أنها كانت غير فعالة، وتم اتخاذ قرار تدخل قوات الأمن لإخلاء المركز الجامعي ». برارحي قال إنه كان معارضا بشكل قطعي لقرار الاقتحام وسانده في ذلك زملاءه الوزراء الذين حضروا الاجتماع في البداية، حتى بدا وكأنّ خيار استبعاد القوة هو الراجح لصالح الحوار، بعد نقاش طويل، وبعد أن تُرك المعارضون لاستعمال القوة لوحدهم لفترة، عادوا وقالوا لنا إن الاجتماع انتهي، وفي الحقيقة تم اتخاذ القرار ضد خيارنا.. مخلفات الأحداث كانت ضربة قاضية للسلطة التي كانت تخشى الأسوأ ».
قائد سياسي وقف ضدّ عبارة « إننا نرفض سفك الدماء »!
ويضيف برارحي « في اليوم الموالي عقد مجلس وزاري فوق العادة ترأسه الوزير الأول في قصر الحكومة، دام من الساعة الرابعة مساء واستمر إلى ساعات متأخرة من الليل، نقاش طويل ساد الاجتماع حول الموقف الذي يجب تبنيه في ظل جو ثقيل، صرخ آيت مسعودان أن الأمر فضيع، الإشاعات تحدثت عن سقوط قتيل في تيزي وزو، ووجود جرحى، الوضع صار قلقا، ماذا يجب أن نفعل ومن يفعل، بعد نقاش استقر الرأي على مداخلة متلفزة، لكن من يقوم بها؟ وزير الداخلية كان في جولة في الكرايب، لعبت طواعية دور وزير الاتصال، الجلسة تم رفعها دون تحديد لا شكل و لا محتوى المداخلة »، ثمّ يواصل الكاتب شهادته، فيقول في « صباح اليوم الموالي سجلت مداخلتي في التلفزيون الوطني، لأول مرة أجد نفسي في مواجهة هدف بدون توجيه ولا تحضير، تحدثت بذهن غائب وفق قناعاتي الشخصية، قلت إننا نرفض سفك الدماء، الخطاب تعرض للرقابة، البعض لاحظ ذلك والبعض قال ما هي هذه السلطة التي تراقب كلماتها.. ».
المحافظون في الأفلان أجهضوا مناقشة الثقافة الأمازيغية
في وقت معاينة التسجيل، جاء عضو من المكتب السياسي، وأعرب عن تحفظه عن هذه الجملة.. في اليوم الموالي تلقيت عدة اتصالات هاتفية والأيام الموالية رسائل تشجيع لمتابعة مسار الحوار، فقررت العودة مجددا إلى الحرم الجامعي في تيزي وزو، الرئيس الشاذلي بن جديد قال لي بالحرف الواحد » لك الضوء الأخضر لإيجاد مخرج »، ذهبت وفي علمي كانت ثلاث شخصيات من من منطقة القبائلية تريد لعب دور المساعي الحميدة تم طردها قبل الوصول إلى تيزي وزو، ذهبت رفقة جمال لعبيدي إلى تيزي وزو، لاجتماع المسؤولين المحليين، وبورزام الذي أراد مرافقتي، صرح أنني تصرفت وفق أوامر رئيس الدولة. « التزمت أمام الطلبة بضمان محاكمة عادلة للموقوفين ونزلاء سجن البرواقية، وطرح ملف الثقافة للنقاش في اللجنة المركزية، في الأسابيع اللاحقة، عقدت اجتماعات مع الطلبة والأساتذة في العاصمة ببن عكنون وباب الزوار وفندق الأوراسي، وقرر الشاذلي إطلاق صراح الموقفين لاحقا، يقول برارحي.
كما تمت مناقشة ملف الثقافة الشعبية في اللجنة المركزية للأفلان، لكن النتائج كانت أقل من التوقعات بسبب المحافظين، ويقول برارحي إنه أدان في هذه الاجتماعات « الإرهاب الثقافي »، كما كشف أيضا من خلال مذكراته أن هناك من حاول تصفيته في ثاني زيارة له إلى تيزي وزو في افريل 1980، هذه الحقيقة، يقول صاحب المذكرات، اكتشفها عام 1998 أثناء تنصيب فرع بجاية للجنة الدفاع عن الجمهورية، بحضور الرائد عز الدين.
برارحي الذي توقف مطولا عند دوره كسفير في زمن الأزمة، خاصة في محاولة فك الحصار الدولي على الجزائر، كما تناول الصراع الأيديولوجي في الجامعة بين المعربين والمفرنسين، برارحي الذي وصفه « زعيم حزب كبير » برجل مطافئ النظام، يخلص في شهادته حول أحداث الربيع الامازيغي إلى كون الأحداث لم تخلف أي قتلى.