يبدوا أنّ القيم النبيلة تكاد تضمحل لدى عدد من أفراد المجتمع الجزائري، في المقابل تحل محلها ما يمكن وصفه بالآفات الاجتماعية والأخلاقية التي تتفشى بصفة سريعة وغير متحكم فيها، على غرار الإخلاف بالوعود، والأدهى أنّ هذه الأخيرة باتت تتخفى خلف شعارات إيمانية كقول المخلف سلفا « إن شاء الله »، « بربي.. »، « تفرا إذا حب ربي.. ».
منافقون في ثوب مؤمنين
رغم أنّ إخلاف الوعد من سمات النفاق التي عددها الرسول -صلى الله عليه وسلم-، إلا أنها باتت صفة الصغير والكبير، المثقف المتعلم والأمي، الغني والفقير. لقد انتشرت هذه الآفة في أوساط الجزائريين تدريجيا بعد أن كانت شيمتهم الوفاء، ولـ »الكَلمة » قيمة معنوية بالغة، حتى أنّ الغالبية كانت تفتك الوعود وتصادق عليها بالاستفسار « كلمة رجال؟ » حتى يضمن الموعود حاجته ويرتاح إليها، لقد كانت هذه العبارة البسيطة توازي أغلظ الإيمان لدى الجزائريين، أمّا اليوم فباتت تردف هي الأخرى بعبارة « إن شاء الله »، التي وعلى كونها عبارة إيمانية تفيد بالرضا والخضوع لمشيئة الله، كافية ليقطع الموعود أمله في الوفاء، إذ وعلى حد قول السي العربي 68 سنة من العاصمة « أصبحنا منافقين في ثوب مؤمنين، نستعمل مشيئة الله لتبرير كذبنا وهروبنا من المسؤولية، على خلاف الماضي، متى كانت تسقط الرقاب ولا تسقط « الكلمة »، أمّا سمير من البليدة، 29 سنة، فقد تحجج بإخفاء الحرج لاستعمال هذه العبارة « كثيرا ما نُحرج نحن الشباب بعضنا بعض بطلبات لا يمكن الوفاء بها، إمّا لضيق الوقت أو نقص المال، في حين لا يمكن للواحد منا أن يرفض طلب صديقه بصريح الاعتراض، لهذا نتوعد بالتلبية مستعملين عبارة إن شاء الله »، يضيف سمير ضاحكا « عندما يردّ عليك أحدهم بـ »إن شاء الله » نظير طلب يبدوا صعبا، فعليك أن « تمسح فمك »، ويريد بقوله استحالة الوفاء.
ويستهزؤون بمشيئة الله
سار على لساننا نحن الجزائريون أن نربط قضايانا وأمورنا بمشيئة الله سبحانه وتعالى، فما تحدثنا عن رغبة أو أمنية أو سعي إلا وقلنا « إن شاء الله »، إلى حد الآن الأمر طبيعي بالنسبة لمجتمع إسلامي مؤمن، لكن الغريب أن فئة من الشباب وحتى المتقدمين سنا، أصبحوا يستعملون هذه العبارة التي ترتبط بأهم شعبة من شعب الإيمان بـ »القضاء والقدر »، للاستهزاء، وهذا أمر به من الخطورة البالغة على ديننا ولغتنا وقيمنا الدينية والاجتماعية ما يضرب بأسسها، فترى أحدهم يوقف مشاغل الناس بهذه العبارة، وآخر يغيّر برامجهم، وآخر يعلق أحلامهم وطموحاتهم، يقول عبد الرؤوف، طالب ماستر بكلية العلوم الإنسانية « شاع بين الشباب إذا ذكر أحدهم رغبته في تحقيق مشروع ما كشراء منزل مثلا، أن تضحك الجماعة قائلة « إن شاء الله إيه »، أو أن يطلب من صديقه استقدام مبلغ من المال أو القيام بسفرية أو المساعدة في شأن من شؤون الحياة التي لا يقدر عليها، بأن يرد مستهزئا « إن شاء الله سأفعل »، بينما هو مدرك لعدم وفائه.
من العجيب فعلا، أننا كمجتمع مسلم بتنا نتغطى بالدين لنمارس أخطائنا وانحرافاتنا، فمن غير الأخلاقي حسب ما يفيدنا به الإمام، موسى فرج الله، أن نرتكب خطيئة وهي الكذب المحرم، ونريد بها إخلاف الوعد الذي هو من صفات المنافقين أصلا، فنحن قوم من المفروض أن نصدق من استحضر الله في قوله، بينما إذا تكرّر إخلاف المؤمن لوعده وهو الذي أشهد الله عليه، فإن هذا الأمر من شأنه أن يقضي على الثقة بين أفراد المجتمع وينشر الضغينة والنفاق.