يعتبر رجال القانون والحقوقيون زواج القاصرات بمثابة « مشروع مطلقة »، لأن غالبية هذه الزيجات لا تستمر طويلا. فبمجرد انتهاء أيام العسل، تصطدم القاصر بجملة من المشاكل، لم تحسب لها حسابا، لتعود إلى منزل أهلها مثقلة بالهموم تجر أذيال الخيبة، حاملة معها ورقة طلاقها وهي زهرة في ربيع عمرها، حتى إن بعض الحالات صادف أن طلّقها نفس القاضي الذي رشّدها.
قد يعتقد البعض أن زواج القاصرات أمر غير موجود في الجزائر، وإن كان، فحالات قليلة جدا، لكن الحقوقيين أكدوا أن العديد من قضايا ترشيد القاصرات كي يتمكّنّ من الزواج، تصل إلى مختلف محاكم الوطن يوميا في المدن الداخلية وحتى العاصمة والمدن الكبرى.
وما يزيد الدهشة، هو الرغبة الكبيرة لدى القاصرات في تأسيس أسرة، هروبا من شبح العنوسة، بينما البعض منهن يقبلن على مضض مجبرات، وسواء كن مخيرات أم مجبرات، فهذه الزيجة في الغالب محكوم عليها بالفشل المسبق.
وصنعت رخصة الزواج التي قدّمتها إحدى المحاكم مؤخرا لفتاة تبلغ من العمر 14 سنة، جدلا كبيرا على المواقع الإخبارية والتواصل الاجتماعي « فايسبوك »، فعريسها يكبرها بـ 18 عاما، ما عزّز التساؤلات حول طبيعة الحياة التي ستجمعهما، وكيف يمكن لهما التعايش مع هذا الفارق الكبير جدا.
الأستاذ براهمي: جل القاصرات ينفصلن عن طريق الطلاق أو الخلع
يقول المحامي حسّان براهمي، إنّ إجراء الترخيص للقاصر بالزّواج يسمّى قانونيا ترشيدا، ويكون الأمر بالتقدم بطلب لدى رئيس المحكمة ليصدر حكما يسمى الإذن بترشيد قاصر، سواء كان شابا أم فتاة، لم يبلغا السن القانونية، وهي 19 سنة. فالسن القانونية للزواج قديما كانت 18 سنة بالنسبة إلى الإناث و21 سنة بالنسبة إلى الذكور، ولكن بعد تعديل القانون في 2005 تم توحيد سن الزواج بين الذكور والإناث لـ 19 سنة، فإذا كانت الفتاة التي تتراوح سنها بين 17 و18 سنة قادرة على الزواج، منحها المشرع هذا الحق، ليضيف الأستاذ براهمي: « لكن هذه الزيجات تنتهي معظمها بالطلاق بالنسبة إلى القاصرات اللواتي يقل عمرهن عن 19 سنة.. يعدن بعد فترة إلى قاضي شؤون الأسرة من أجل الطلاق ». ويواصل المتحدث: « أحيانا يكون نفس القاضي الذي قام بترشيدها هو من يتولى مسألة تطليقها، سواء عن طريق الخلع أم الطلاق ».
ويكشف الأستاذ حسان براهمي أن ترشيد القاصرات إجراء روتيني تقوم به المحاكم في جميع ربوع الوطن حتى في العاصمة، موضحا أنّ 70 بالمائة من زيجات القاصرات تنتهي بالطلاق، ففتيات الجيل الحالي اللواتي لم يتجاوزن 25 عاما نادرا ما يكن ناضجات، فهن يعانين من مظاهر المراهقة ولسن واعيات بواجبات الزواج ومسؤولياته، حتى إنهن لا يدركن ماهية الزواج وبناء أسرة، فالأمر بالنسبة إليهن حفل صاخب، رقص وفستان أبيض.. لذا يعدن بعد فترة وجيزة وهن يحملن لقب مطلقات.
قاصر تطلق لسيطرة والدتها على حياتها
ومن بين القضايا، يذكر المحامي قصة قاصر تبلغ من العمر 16 سنة، من إحدى ولايات الغرب الجزائري، تم ترشيدها لتتزوج من شاب يبلغ من العمر 25 عاما، وبعد مرور سنة كاملة بالضبط رجع الزوج إلى المحكمة ليرفع دعوى طلاق بعدما استحالت الحياة بينهما لكثرة تدخل حماته في حياتهما، فأمها تحكم سيطرتها عليها وتستشيرها ابنتها في كل كبيرة وصغيرة ولا تقدم على عمل إلا بعد أخذ إذنها. وفي جلسة الصلح، تعهدت أمام القاضي بإخراج والدتها من حياتها لقاء عودتها إلى منزل زوجها، وفي طريق العودة رن هاتفها ليكتشف زوجها ارتباطها بشخص آخر، فعاد وطلقها دون رجعة.
الفارق العمري يعجل طلاق القاصرات
أما القضية الثانية التي جرت أطوارها في إحدى مدن الشرق الجزائري، فبطلتها شابة تبلغ من العمر 16 سنة، تزوجت مع كهل في الأربعينيات من العمر « مزواج ». ففي كل مرة يتزوج ويطلق. وبعد مرور 6 أشهر على زواجها عادت إلى نفس القاضي الذي أصدر حكما بترشيدها لتطلب الطلاق لعدم توافقها معه وأنه ليس بوسعها إكمال الحياة الزوجية برفقته.
وفي شرق البلاد أيضا، طلبت زوجة شابة تبلغ من العمر 17 سنة الطلاق، بعد شهر من ترشيدها لاستحالة عيشها مع زوجها نظرا إلى الفارق العمري بينهما.
قاصر تعود إلى بيت أهلها مطلقة قبل بلوغها 20 عاما
حالة أخرى لزواج قاصرات، انتهت بالطلاق، ضحيتها هذه المرة شابة تبلغ من العمر 17 عاما، زوّجها والدها أحد أقربائه المقيمين بديار الغربة لتسافر بعدها مع عريسها الذي استغل صغر سنها وبعدها عن عائلتها، فكان يضطهدها « يحقرها » فيحجزها بالبيت ويمنعها من الخروج، كما يحرمها من الطعام والشراب وقطعها حتى عن زيارة أهلها. وبعد إنجابها فاجأها والدها بزيارته فوجدها تعيش وضعية مزرية وفي إهمال تام ليساعدها على رفع دعوى طلاق وتعود إلى بيت أهلها أمّا مطلقة، بينما لم تتجاوز العشرين من العمر.