الصدمة الكروية التي ضربت البلاد في كل أنحائها، عقب خروج الخضر من تصفيات المونديال الروسي مبكرا، الذي سيشارك فيه 32 بلدا من كل القارات ومع تواجد عربي محتمل، لن تكون نتائجه عبارة عن حسرة جماهيرية مصحوبة ببراميل من لعاب التعاليق والحبر فقط، وإنما ستكون له عواقب في كل مجالات الحياة، بدءا بالخسائر المالية التي ستتكبدها الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، التي وصفت في السنوات الماضية بإمبراطورية المال التي لا تتزلزل أبدا، وقد تفقد قرابة 200 مليار بسبب هاته الخسارة.
كما أن الممولين لها من شركات أجنبية وحتى من الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي يجازي ماديا كل منتخب يقتطع تأشيرة المشاركة في المونديال ومن القنوات الناقلة للمباريات حصريا، ستسحب مساعداتها بسبب الاتفاقات المبرمة بين الطرف الجزائري وبينها، على غرار مؤسسة أديداس التي وعدت الخضر بمنحة لا تقل عن ربع مليون أورو في حالة التأهل، إضافة إلى تجهيز الخضر بكل لوازم المشاركة في كأس العالم، ولن تصلها الأموال من الشركات الوطنية والعالمية التي رافقت بعض اللاعبين مثل سليماني ومحرز وبراهيمي في السنوات الماضية، وحتى الشركات الوطنية التي رعت الخضر من عمومية وخاصة لا يمكنها أن ترمي أموالها في جيب منتخب لن يظهر في المحفل الدولي الكبير الذي يتابعه أكثر من ملياري نسمة في كأس العالم.
وبقيت للمنتخب الوطني مباراتان شكليتان في الكامرون وفي قسنطينة أمام نيجيريا ستعني المنافسين ولن تعنيه ولن تعني الجمهور المتابع إطلاقا وطبعا لن تعني الشركات الاقتصادية، كما أن الوكالة الوطنية للسياحة وبقية الوكالات الخاصة بالأسفار، لن تجد فرصة الاستثمار في الحدث الكروي بنقل آلاف الأنصار إلى روسيا كما جرت العادة أو إلى الكامرون للعب مباراة مصيرية في رحلة التأهل إلى كأس العالم كما حدث في القاهرة والخرطوم وواغادوغو أو إلى مركز الحدث في جنوب إفريقيا وفي البرازيل، وحتى باعة الأقمصة الرياضية والأعلام والرايات لن يجدوا زبائن بسبب الحسرة التي اعتصرت قلوب الجزائريين بكل فئاتهم، وتبدو بي.آن.سبورت، من الخاسرين الكبار أيضا في هذه الصدمة الكروية رفقة وسطائها في الجزائر، لأن شغف الجزائريين بالكرة، لن يكون هذه المرة بنفس الحدّة وقد لا يكون أصلا، فلا أحد سيهمه متابعة مباريات مختلف الدوريات التي يشارك فيها الجزائريون كما جرت العادة، في إنجلترا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا والبرتغال، وحتى مشاركة خمسة جزائريين في رابطة الأبطال الأوروبية هذا الموسم، وهم فوزي غلام وآدم وناس مع نابولي ورشيد غزال مع موناكو وسفيان هني مع اندرخت وبراهيمي مع بورتو، لن تكون حدثا في الجزائر، وقد يقاطع الكثيرون منافسة كأس العالم في روسيا ويسافرون للسياحة في بلدان أخرى مثل تركيا وتونس، ما بعد عيد فطر 2018 بسبب غياب الجزائر عن المونديال الروسي.
أما معنويا، فإن الضرر أكبر والجزائريون الذين ألهبوا مواقع التواصل الاجتماعي منذ ملحمة أم درمان الشهيرة في خريف 2009 وبعد التألق في المونديال البرازيلي في صائفة 2014 سيكونون متابعين لما يحدث ولن ينشروا صور الفخر الكروي ولا الأغاني الكروية التي كانت ترافق هذه الانتصارات، وستكون الحسرة والخيبة وربما فقدان الثقة بالنفس عنوانا لمدة أربع سنوات كاملة على أقل تقدير، إذا لم يتعاف المنتخب الوطني ويعود إلى التألق.
وإذا كانت الجزائر قد صنعت الحدث إعلاميا سواء في فرنسا أو في العالم العربي، لأنها كانت وحدها من الدول العربية من شاركت في مونديالين متتاليين في جنوب إفريقيا وفي البرازيل، فإنها هذه المرة لن تكون أبدا، ولن يُذكر اسمها على مدار هذه السنوات وخاصة في زمن مونديال روسيا، حيث من المحتمل ألا تطلب بي.آن.سبورت من رفيق صايفي وغيره مساعدتها في تحليل المباريات، وستعتمد على محللي البلدان العربية التي ستشارك في المونديال وعددها مرشح لأن يكون خمسة بلدان كاملة أو ثلاثة على أقل تقدير وهي تونس والمملكة العربية السعودية ومصر، وإمكانية مشاركة أيضا المغرب وسوريا.
<
p style= »text-align: right; »>أما الخسارة المؤلمة فعلا فهي اجتماعية حيث ستغيب الاحتفالات الشعبية ومظاهر تزيين السيارات والمنازل والشوارع بالأعلام الجزائرية طوال أيام المونديال والحدث الكروي، سواء في مختلف الولايات الجزائرية أو في المدن الفرنسية التي استرجعت لُحمتها عندما صار صانعو الفرحة من اللاعبين ممن تربوا في فرنسا من أمثال براهيمي وفيغولي وزياني وعنتر يحيى، ومعروف بأن الوحدة الكبرى أو الحزب الأقوى في البلاد كان دائما كرة القدم الوحيدة التي تُخرج الجزائريين بمئات الآلاف إلى الشوارع في تيزي وزو وغرداية وووهران والعاصمة وأم البواقي وقسنطينة ولسانهم واحد: وان تو ثري فيفا لالجيري، ولونهم واحد وهو الراية الوطنية وأسماعهم نحو نشيد واحد وهو قسما، وسيخسر الساسة والتجار الكثير من المتعاطفين ومن الزبائن، لأن الفرحة وحدها من تصنع الزبون والمتعاطف.