يقول مثل غربي « من الجنون أن تستخدم مدفعا لتقتل بعوضة ».. فماذا عن عاقل لا يجد ما يقهر به واقعه الذي لا يرضاه سوى بمقاومته عبثا بسلاح له خاصية الدمار الشامل، وطلقاتُه مردودة عليه.. هكذا هو حال مدمن المخدرات في أي بقعة من العالم.
« الشروق اليومي » استطلعت حول الظاهرة وأبعادها على الحشّاشين والشمّامين والشيّاشين، ومحيط كل منهم، وهذا في ظل نشاط مروّجي ما يعرف بـ »الزطلة » و »الحلويات » على مستوى ولاية وهران التي فتحوها برعاية غواني كباريهات الكورنيش وفنانات الواي – واي سوقا استهلاكية، ومعبرا لشبكات تهريب واستيراد السموم البيضاء، رغم أنها أيضا مقبرة لبارونات دولية وكثير من الرؤوس اليانعة والأذرع الممتدة فيها..
700 متورط موقوف في 2015
تفيد آخر محصلات نشاطات الأجهزة الأمنية التي تسهر على مكافحة استهلاك المخدرات والتصدي لمسمّمي عقول الشباب في وهران منذ بداية السنة الجارية 2015، بتوقيفها قرابة 700 شخص، مع حجز أكثر من 1700 كيلوغرام من الكيف المعالج، وحوالي 10 آلاف قرص مهلوس، وهذا في عمليات مداهمة وتدخل، يوصف بعضها بالنوعية والقاصمة لظهور جماعات تنشط ضمن شبكات دولية، غاية السواد الأعظم منها جمع المال أولا وأخيرا، فيما يخدم غيرها أجندات سياسية هدفها ضرب الأمة في قلبها النابض، أو أيضا للعمل لصالح إنعاش اقتصاد مملكة الحشيش…
وطبقا لتفاصيل ذات الحصيلة الجامعة، فإن أكبر حجوزات المخدرات المحصاة في ظرف السداسي الأخير من السنة الجارية، هي تلك التي ضبطتها مصالح الدرك الوطني التابعة للمجموعة الإقليمية بوهران، بحجم 13.66 قنطارا من القنب الهندي، منها 11 قنطارا حجزت في عملية نوعية واحدة قامت بها فصيلة الأبحاث للدرك الوطني بآرزيو، بتاريخ 25 أفريل 2015، على متن شاحنة كانت متجهة نحو الشرق الجزائري، لكن تم توقيفها على مستوى محطة بطيوة وتفكيك شبكة دولية إجرامية منظمة مختصة في تهريب وتصدير ونقل المخدرات، عثر بداخلها على 40 حزمة من الكيف المعالج، معدل وزن الحزمة الواحدة كان 27.5 كيلوغراما.
كما سجل في حصيلة السداسي لذات المصالح حجز 633 قرص مهلوس، وتوقيف 173 متورط ضمن 114 قضية مسجلة، بينما بلغت كميات الحجز المرصودة في نشاطات مصلحة الشرطة القضائية التابعة لمديرية الأمن الولائي لوهران منذ بداية هذه السنة إلى غاية شهر جويلية الأخير، 345.67 كلغ من الحشيش، أي ما يقارب 3 قناطير ونصف، إلى جانب عملية نوعية جديدة قامت بها مؤخرا، وأفضت إلى ضبط 30 كلغ من الكيف، وسبقتها أخرى بحجم 51.3 كلغ حجزت داخل منزل بحي النجمة، أما حجوزات السداسي الخاصة بذات المصالح فيضاف إلى صنف القنب الهندي 14.51غ من الكوكايين، إلى جانب 8594 قرص مهلوس، مع إلقاء القبض على 509 شخص، منهم 324 تم توقيفهم بتهمة الاستهلاك، والـ185 الباقين على خلفية اتجارهم في الصنف، مثلما تكشف ذات الحصيلة عن تواجد 3 ذكور قصر وأنثى واحدة بالغة ضمن الموقوفين الذين صدر أمر بالإيداع في حق 431 شخص منهم في 409 قضية ترويج واستهلاك..
لكن وبالمقارنة مع حجم السموم المضبوطة من طرف مصالح الأمن والدرك الوطنيين خلال نفس الفترة المذكورة من العام الماضي في وهران، فإن محصلات الحجز للسنة الجارية 2015 يمكن وصفها بالخفيفة جدا، بما يعكس تفوق القوة الأمنية وكسرها شوكة مروجي المخدرات على وجه التحديد، لاسيما وأن الأمر يتعلق بنفس عدد القضايا المسجلة تقريبا من طرف جهات المكافحة المختصة المنتشرة على الدوام في الميدان، حيث كانت كميات القنب الهندي المحجوزة في ظرف السداسي الأول من السنة الفارطة في حدود 199 قنطار ونصف، أي حوالي 20 طنا، ضبط أغلبه من طرف مصالح أمن ولاية وهران، بحجم 197.95 قنطار، مقارنة بـ17 قنطارا هذه السنة، إلى جانب تسجيل 70.72 غراام من الكوكايين، و10609 قرص مهلوس، وتوقيف 582 متورط العام المنصرم، وهي أعلى كمية حجز سجلت أنذاك بالغرب الجزائري الذي يحتل المرتبة الأولى وطنيا في قضايا التهريب والترويج، لتلي وهران ولاية مستغانم بـ 19 طن و157 كلغ، ونفس الترتيب تقريبا بالنسبة لحجوزات الجهة الغربية من المخدرات الصلبة التي قدرت بـ12709 قرص في وهران، فمستغانم بـ12718 قرص، ثم تلمسان بـ7884 قرص.
الملاهي الليلية.. العلب السوداء التي تحفظ أسرار مروجي « الحلويات »
كما كشفت مصالح الأمن لولاية وهران في تصريحات سابقة عن تمركز شبكة كبيرة وخطيرة تنشط في مجال الاتجار والترويج لأقراص اكستازي المهلوسة، المتعارف عليها وسط الشباب بالحلوى، على مستوى منطقة عين الترك، خاصة داخل الملاهي الليلية المتواجدة فيها والتي تستغل من طرف جهات للتشهير بـ »الكاشيات » في أغان من يعرفين بفنانات الواي-واي، مثلما توصلت تحقيقات أمنية لشرطة الغرب إلى استنتاجات رسمية تؤكد على أن أخطر المهربين بالمنطقة يتواجدون في الجارة المغرب ولهم فيها قواعدهم الخلفية التي يحتمون فيها لصالح إنعاش اقتصاد مملكة الحشيش، بينما يستغلون قصرا ومراهقين في حدود 12 و13 سنة في نشاط الترويج وحتى التهريب ضمن شبكات مؤطرة عادة ما تعبر وهران.
وحسب مسؤول بمديرية الأمن الولائي لوهران، فإن ما يتم حجزه من كميات المخدرات على تراب ولاية وهران، لا يعني بالضرورة واقع الاتجار بهذه المواد الممنوعة والمحرمة دوليا على مستواها، وهذا بناء على موقع الولاية الذي يستغله مروجون ومهربون خطيرون ينحدرون من ولايات ومناطق مختلفة كمعبر لنقلها إلى وجهات خارجة عنها، كما أن طابعها السياحي والساحلي يجعلها أيضا مقصد أعداد كبيرة من زوار يتوافدون عليها من كل حدب وصوب، ومن مجرمين وحشاشين وغيرهم، وهو ما يجعل أرقام الموقوفين هي الأخرى لا تعكس بالتحديد معدل وصورة الجريمة المنظمة على مستوى ولاية وهران.
لكنه يضيف وبالاستناد إلى النتائج المحققة في مجال مكافحة المخدرات، أن تدخلات مصالح الأمن لا تقتصر على مناطق أو أحياء دون أخرى، بل أنها تتم بدقة متناهية في أي وكر أو مكان يثبت استغلاله في نشاط بيع أو استهلاك السموم، مثلما أشار إلى تمكن المديرية من معالجة قضايا كيدية تقع – على قلة عددها – بين أصدقاء، أقارب وأصحاب مصالح بسبب المال، إلا أنها تعكس مدى فطنة وخبرة وكفاءة إطاراتها في فك ألغازها، عندما يتعلق الأمر بأشخاص يحاولون الانتقام من خصومهم وتصفيتهم، من خلال تلفيق تهمة ترويج أو حيازة مخدرات لهم، قبل أن تنقلب القضايا الكيدية على مدبريها، ويزج بهم في السجن، على غرار قضية رجال أعمال كانوا يتاجرون في العقارات، دارت فصولها قبل حوالي 3 سنوات، عندما اختلف هؤلاء ذات يوم مع شريكهم بسبب مبلغ 7 ملايير سنتيم، ليهتدوا إلى حيلة للتخلص منه بقضية مخدرات ملفقة، وقضية مماثلة كان المتهم فيها ابن صاحب محل حلويات وضع مخدرات في قطعة حلوى ليجر بها عدوه إلى السجن، لكن السحر بفضل حنكة ورزانة رجال الشرطة كان دوما ينقلب على الساحر..
الغش يطال حتى المخدرات.. ومروجون برتبة « دكاترة » في الكيمياء
أيّ كمية من المخدرات ليست بالضرورة كلها خالصة في تركيبتها المخدرة.. هذا ما تقف عليه باستمرار الجهات المختصة في مجال المكافحة، وتطلعهم عليه نتائج مخبر الشرطة العلمية عند تحليله لعينات من الحجوزات المطلوب التعرف على تركيبتها الحقيقية..
وفي هذه المرحلة ثمة مفاجآت.. زطلة ممزوجة بمسحوق حبوب البراسيتامول المخففة للآلام أو كيماويات أخرى، بعضها أكثر فتكا وسمية من المخدرات نفسها، مثل سم الفئران، الزرنيخ وبرادة الحديد… كوكايين أو ذرات هيروين مخلوطة ببلورات زجاج مصابيح النيون المدقوق، إلخ.. وفي هذا الشأن يستحضر ذات المسؤول الأمني مجريات جلسة محاكمة قاض لمتهم يتاجر بمواد مجهولة لها خاصية التخدير، ويبيعها على ذلك الأساس، حيث حاول التملص من الجرم المنسوب إليه بداعي أنه أمّي، فكيف له ـ حسب تساؤله أمامها ـ أن يهتدي إلى تخليق مادة مخدرة وهو جاهل بعلم الكيمياء؟! لكن القاضي لم يقنعها استغباؤه، وراحت تصفه بالداهية.. وأنه مخبر قائم بذاته بسبب مكره « العلمي » الذي يستغله في تخدير عقول الكثيرين وتسميمهم..
« الشيطان الأبيض ».. هذا النعت الذي يطلقه البعض على مادة الحشيش، ما عاد وحده يتلّبس اللاهثين وراء ملذات الحياة، واليائسين، الفارين منها في غمرات الانتشاء إلى عوالم المجانين الذين يتراقصون طربا وحبورا على جماجم فقدت حشوها من العقل، وأضحت خاضعة لنظام تكييف من نوع خاص.. فأرقام المخدرات المضبوطة من طرف المصالح الأمنية على مستوى ولاية وهران التي أصبحت خلال السنوات الأخيرة مصيدة لشبكات تهريب دولية وإجرامية منظمة، ناهيك عن صغار المروجين والمستهلكين، لا تخل من تضمنها باستمرار كميات من الأقراص المهلوسة إلى جانب البودرة البيضاء، مما يعني أن وسائل الشيطنة التي توسوس لأصحابها وتؤزهم أزا على ارتكاب الفواحش والجرائم قد بات منها الأحمر والأزرق والأصفر وكل ألوان الطيف وخارجه.. مثلما هي على شاكلة الصلب الذي يُبلع، والسائل الذي يُشرب أو يُحقن، والغبار الذي يُشم أو يُدخّن في لفافات السجائر أو نارجيلات الشيشة التي باتت تكيّف أمزجة الكثيرين بشكل غير مسبوق داخل مقاه، وقاعات شاي ونواد شبانية أغلب ما تجنيه من المال مصدره تجارة الوهم المسموم الذي يأخذ السابحين فيه بطلعات فضائية إلى عالم افتراضي متعدد الأبعاد..
هكذا يستدرج الشباب إلى عالم الإدمان
الدخول إلى عالم الإدمان على المخدرات بقدر ما هو هيّن على المروج والمغرر به في وقت واحد، خاصة أنه لا يكلف الأول سوى بعض الجرعات الاستدراجية التي يقدمها للطرف الثاني بالمجان للإيقاع به، بقدر ما يعني الخروج منه بالنسبة للضحية تحديدا، إنجاز لا يقدر عليه سوى صاحب الإرادة الصلبة والقوية في أوج الضعف والوهن الذي يلحقه الإدمان بجسده.
لكن وبعكس ما كنا نتوقع، فقد أطلعتنا الإحصاءات المسجلة من طرف مصلحة الوقاية بمديرية الصحة لولاية وهران عن وجود إقبال متزايد على المراكز المتخصصة في علاج المدمنين والانعتاق من عبودية شتى أنواع المخدرات والمسكرات من طرف أشخاص جاءوها طوعا للعلاج رغم آلام المعاناة مع الأغراض الانسحابية التي تصاحب الشعور بالعوز إلى المادة المخدرة، حيث تفيد الأرقام المسجلة خلال السداسي الأول لـ2015، بتكفل مختلف الهياكل الموضوعة في خدمة واحتواء هؤلاء بـ644 حالة، أغلبهم من الذكور والعزاب والبطالين، تتراوح أعمارهم ما بين 16 إلى 35 سنة، إلى جانب 20 أنثى، حيث كان يبلغ عدد المدمنين البطالين 339 شخص، في مقابل 250 عامل و55 ما بين طالب وتلميذ، وأغلب هؤلاء كانوا يتعاطون مخدرات مختلفة، إلى جانب نسبة قليلة أخرى كانت تدمن على الكحول والأفيون، وهي أرقام يمكن القول أنها تمثل تقريبا ضِعف تلك المسجلة العام الماضي من الفترة ذاتها، حيث استقبلت مراكز الكشف وتلك الوسيطة المخصصة للمدمنين، إلى جانب مستشفى الأمراض العقلية بسيدي الشحمي على مدار سنة 2014 بأكملها 973 حالة، منهم 31 أنثى و580 بطال.
كما تستوقفنا حالة عائلة ظلت تعاني من السلوكات العدوانية لابنها المدمن، حيث أقدم أخواه، وهما محاميان على التجرد من العاطفة الأخوية التي لم تجد معه نفعا، وتبليغ مصالح الأمن عنه، ليزج به في السجن حتى يرتدع ويجبر على العلاج.
« الأميار ».. وراء تفشي استهلاك المخدرات؟
وفي تحليله لحصيلة نشاط مراكز علاج الإدمان، يقول الدكتور دهاريب العربي، رئيس مصلحة الوقاية بمديرية الصحة، أن الأرقام وحدها تترجم الأسباب التي تدفع ضعاف النفوس، وغير المحصنين دينيا ولا اجتماعيا ضد فيروسات تسميم عقول البشر وتخديرها للسقوط في مستنقع الإدمان والانحراف والانحلال الأخلاقي، حيث يظهر جليا أن أغلب المدمنين الذين يعتبرهم ضحايا هم شباب، يعانون البطالة، تأخر سن الزواج ومختلف المشاكل الاجتماعية، إلى جانب الشعور بالفراغ القاتل في ظل قلة المرافق الرياضية ودور الشباب.
وحمّل في هذا السياق، جزءا كبيرا من المسؤولية إلى المنتخبين والمسؤولين المحليين الذين ألهتهم مصالحهم الشخصية عن مهامهم الأصلية التي تلزمهم بالتقرب من المواطنين ومساعدتهم على العمل وانتشالهم من براثن الضياع، لاسيما وأن الظاهرة اخترقت الوسط المدرسي والجامعي، في مقابل تأكيده على الغياب التام للسلطات المدنية أمام ظاهرة البيع العشوائي للسجائر والخمور ورواج الشيشة التي تمثل بوابة الإدمان على المخدرات، انتشار الأسواق الفوضوية التي ثبت أن الترويج السري للمهلوسات يتم على مستواها، مضيفا أن المرحلة المقبلة، وتحديدا بعد الاجتماع المبرمج تنظيمه شهر سبتمبر المقبل، في مقر ولاية وهران، وبحضور ممثلي الجماعات المحلية، إلى جانب أطباء وأخصائيين في علاج الإدمان، مسؤولين من مديريات الصحة، التربية، الشبيبة والرياضة، الشؤون الدينية، النشاط الاجتماعي، الأمن الوطني والدرك، الهلال الأحمر الجزائري، المجتمع المدني، فإن كافة المدعوين في جميع القطاعات سيكونون مجبرين على احترام وتطبيق استراتيجية العمل التي سيخرج بها المجتمعون في إطار برنامجهم الجديد لمحاربة الإدمان ومخلفاته، وهذا استنادا إلى التوصيات التي خلصوا إليها في لقاء أول جمع كافة هذه الهيئات بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الإدمان المصادف لتاريخ 26 جوان، والذي كلل بتأسيس اللجنة الولائية لمحاربة الآفات الاجتماعية التي يترأسها رئيس المجلس الشعبي لولاية وهران تحت إشراف الأمانة العامة للولاية، والتي جاء من ضمن مقترحاتها التكثيف من حملات التحسيس بمخاطر الظاهرة، محاربة بيع الخمور بطريقة غير شرعية، منع بيع السجائر في غير الأماكن المرخصة والمخصصة لها، إدماج المنتخبين المحليين في واجب المكافحة وتبديد العوامل المؤدية للإحباط والمشجعة على الإدمان في صفوف
echroukالشباب والمراهقين.