يخوض المرشّحون الجمهوريّون الى الانتخابات التمهيديّة الاميركيّة معاركهم الانتخابيّة على أكثر من صعيد، إذ لا تنحصر المنافسة بينهم في المناظرات المتلفزة التي كانت آخرها تلك التي استضافتها قناة « سي.أن.أن » الاميركيّة في 16 أيلول الماضي.
فالتصريحات الاعلاميّة وكتابة المقالات أو التدوينات على المواقع الالكترونيّة لها وزنها أيضاً، خصوصاً في الوقت الفاصل بين مناظرة وأخرى. وفي انتظار موعد بدء المناظرات داخل الحزب الديمقراطي في 13 تشرين الأوّل المقبل، كان لطرح إمكانيّة تولّي مسلم للرئاسة الاميركيّة، حصّة الاسد في النقاشات السياسيّة التي دارت مؤخّراً بين عدد من المرشّحين.
ومع أنّ الانتماء الديني للذين يخوضون سباق الرئاسة في مختلف مراحلها، لم يكن يستحصل على أهمّية قصوى لدى الاميركيّين في عمليّة اختيار مرشّحيهم، إلّا أنّ ذلك الامر تغيّر مؤخّراً. فعلى سبيل المثال، أثارت شائعة انتماء الرئيس الحالي #باراك_أوباما الى الاسلام جدلاً واسعاً في الاوساط الشعبيّة الاميركيّة، ومع أنّ #اوباما نفاها في وقت سابق الى جانب وسائل إعلاميّة عدّة، إلّا أنّ قسماً كبيراً من الاميركيّين ما زال يصدّق هذا الامر.
وفي الواقع، يشير موقع « بوليتيكو فاكت » الالكتروني الى أنّ هذه الاشاعة تمّ دحضها مراراً وتكراراً، ومع ذلك عادت وظهرت في 17 أيلول الماضي، حيث ، قال أحد الحضور للمرشّح #دونالد_ترامب في لقاء مع الناخبين في روتشستر – ولاية نيو هامشير: » لدينا مشكلة في هذا البلد. المشكلة هي المسلمون. أنت تعلم أنّ رئيسنا الحالي هو واحد منهم. أنت تعلم أنّه ليس أميركيّاً حتى ». وتابع: »في جميع الاحوال لدينا مخيّمات تدريب آخذة بالتصاعد، حيث يريدون قتلنا. وهذا هو سؤالي متى نستطيع التخلّص منهم؟ »
لكنّ جواب ترامب الذي تمحور حول مراقبة احتمالات عدّة لما يجري للتصرّف على هذا الاساس، نال انتقادات فوريّة لأنّه لم يعترض على سؤال الرجل الذي اعتبر أنّ المسلمين مشكلة وأنّ أوباما هو مسلم. وينقل الموقع نفسه عن استطلاع رأي حديث أجرته « سي أن أن » نتيجة مفادها أنّ 29% من الاميركيّين يعتقدون أنّ أوباما مسلم، وترتفع هذه النسبة الى 43% داخل الفريق الجمهوري.
موقع « فوكس نيوز إنسايدر » الالكتروني نقل عن #ترامب موقفه الرافض للدفاع عن #أوباما قائلاً: »ليس من مهامي، صراحة، الدفاع عن الرئيس، فهو قادر على الدفاع عن نفسه ». وقال لتلفزيون « أن بي سي » الاميركي إنّه لم يقاطع السائل لأنّه ظنّ أنّه يقصد بسؤاله الاسلاميّين المتطرّفين مؤكّداً أنّه « لم يواجه أبداً مشكلة مع المسلمين ».
إشكاليّة وصول مسلم الى الرئاسة الاميركيّة طرحها المرشّح للانتخابات التمهيديّة الجمهوريّة #بن_كارسون حين صرّح لل « أن بي سي. » أنّه لا يستطيع دعم مرشّح مسلم كي يصبح رئيساً للبلاد. وأعلن لاحقاً لصحيفة « ذا هيل » الاميركيّة « عدم إيمانه بأنّ الشريعة تتماشى مع دستور #الولايات_المتحدة » معتبراً أنّ الحالة الاستثنائيّة الوحيدة الممكنة في هذا المجال هي « قيام المسلم علناً برفض متطلّبات الشريعة والعيش بما يتوافق مع ذاك الذي رفضه علناً ».
جرّاح الاعصاب كارسن أظهر جهله في كثير من الأمور الأساسيّة في الاسلام حيث قال: « التقيّة جزء مكوّن من الشيعة، وهي تشجّع على الكذب من أجل تحقيق أهدافك ». صحيفة « الواشنطن بوست » قالت أنّ كلمة « شيعة » قد تكون خطأ مطبعيّاً في كلمة « شريعة ». لكنّها في جميع الاحوال ردّت على ادّعاء كارسن عبر الاتصال بخبراء مسلمين وأكّدوا أنّ علماء الشبكة العنكبوتيّة شوّهوا معنى التقيّة.
بروفسّور القانون في جامعة كاليفورنيا خالد أبو الفضل يشدّد على أنّ هذا المفهوم يأخذ معناه حين يواجه رجلٌ إضطهاداً دينيّاً فيمكنه حينها إخفاء هويّته الايمانيّة لتجنّب الأذى أو الموت. ويتابع الحديث عن أنّ المفهوم تمّ اعتناقه أساساً من الشيعة لكنّ السنّة مارسوا التقيّة خصوصاً الموريسكوس المسلمين الذين أجبروا على التحوّل الى الكاثوليكيّة في #أسبانيا خلال القرن السادس عشر. وتحدّث عن التقيّة لدى اليهود خلال تعرّضهم للملاحقة من قبل محاكم التفتيش في البلد عينه لاعتناق الكثلكة. وقال: « نعم مسموح أنّ تخفي كونك مسلماً إذا كنت تحت التهديد طالما أنّ ذلك لا يؤدّي الى إيذاء شخص آخر. لكن لا يوجد أيّ مبدأ يشجّع المسلم على الكذب من أجل الوصول الى هدفه. هذا تأليف بالكامل. جميع المسلمين يتربّون على فكرة أنّ الكذب هو خطيئة ».
« التقيّة تهدف الى إعلاء قيمة الحياة الانسانيّة على إعلان الايمان. » يقول عُميد صافي مدير جامعة ديوك للدراسات الاسلاميّة. ويؤكّد نوح فلدمان الخبير في التشريع الاسلامي داخل جامعة هارفرد أنّ #بن_كارسن « بسّط للغاية هذا المفهوم الى حدّ تشويهه ». وأنهت الصحيفة مقالتها عبر « امتحان بينوكيو » وهو امتحان يدلّ الى مدى صدق السياسي أو كذبه. وخرج بموجبه كارسن كرجل تفوّه « بتأويل فاقد للدقّة والمصداقيّة لآية من القرآن، مع هدف واضح في وصف جميع المسلمين على أنّهم غير موثوق بهم. لأنّه لا دليل على أنّ القرآن يشجّع المسلمين على الكذب من أجل تحقيق أهدافهم. »
وكإثبات على كذبه الفاضح ختمت الصحيفة مقالها قائلة: »يستحقّ أربعة بينوكيوهات ».
لم تكن « الواشنطن بوست » وحدها التي ردّت على كارسن. فمرشّحون آخرون من مختلف الانتماءات ردّوا عليه بطريقة حاسمة. المرشّحة الى الانتخابات التمهيديّة في الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون غردت عبر حسابها على التويتر مستشهدة بالدستور الاميركي: » لا امتحان دينيّاً سيطلب أبداً كمؤهّل لأيّ منصب أو ثقة من الجمهور في #الولايات_المتّحدة. » وتابعت: « هل يمكن لمسلم أن يكون رئيساً للولايات المتحدة الاميركيّة؟ بكلمة واحدة: نعم. فلنتابع الآن ».
السيناتوران الجمهوريّان تيد كروز وليندسي غراهام انتقدا موقف كارسن أيضاً. كروز مثل كلينتون استعان بالبند السادس من الدستور الاميركي لنفي أيّ علاقة بين ديانة المرشّح وأحقّيته بالوصول الى الرئاسة الاميركيّة. فيما شدّد غراهام على أنّ « الطبيب (كارسن) لا يستطيع أنّ يتولّى موقع القيادة. أميركا هي فكرة وهي ليست مملوكة من أيّ ديانة ». وطالبه أيضاً بالاعتذار من الاميركيين المسلمين، معتبراً أنّ كارسن « طبيب جيّد » لكنّه « لم يكن مستعدّاً ليقود أمّة عظيمة ».
المرشّح الجمهوري بوبي جندال قال: « إذا استطعت أن تجد مرشّحاً مسلماً، جمهوريّاً، مستعدّاً لكي يحارب بقوّة من أجل حماية الحرّيّة الدينيّة، ويحترم الارث اليهودي-المسيحي لأميركا، ويلتزم بمحاربة « #داعش » والاسلام المتطرّف، ويدين الثقافة التي تجعل من المرأة مواطنة من الدرجة الثانية، ويحلف بالانجيل على أنّه سيحافظ على الدستور، عندها نعم سأكون سعيداً بالتصويت له ».
أمّا كارلي فيورينا فاعتبرت أنّ الاشخاص المؤمنين يصنعون قادة أفضل أكانوا مسيحيّين مثلي … أم يهوداً أم مسلمين أم أشخاصاً ذوي إيمان آخر، لأنني أظنّ أنّ الايمان يعطينا التواضع والتعاطف والتفاؤل وهذه ميزات مهمّة. نعم سأتقبّل وجود رئيس أميركيّ مسلم ».