طفل يلهث والعرق يتفصد من جبينه و يداه ملطختان بما تحويه دلاء القمامة…كهل رسم الدهر على وجهه آثار الزمن و الحاجة والفقر، منهمك في فرز كومة من فضلات المنازل، لعله يجد ما يباع ليسد به رمق أبنائه… جزائريون من مختلف الأعمار يتزاحمون عن نفايات المصانع والمستشفيات ويجنون الملايين بعد إعادة بيعها للمستهلكين أو لمصانع تحويل النفايات.
هي ظاهرة تعكس الفقر الذي وصل إليه بعض الجزائريين مع غلاء المعيشة وتعقيدات الحياة الاجتماعية من جهة، ومن جهة أخرى تطور فكرة الاسترزاق من المزابل و القمامة التي أضحت السبيل لجمع « الملايين » من الخردة.
حديد، خشب، زجاج،بلاستيك، أثاث قديم، قارورات، أفران قديمة، ألبسة، أجهزة الكترونية قديمة..الكنوز المبحوث عنها يوميا في النفايات و القمامة و المزابل!.
أحمد البالغ من العمر 60 سنة، يعمل بالتنسيق مع شركة لجمع النفايات الحديدة من المزابل والقمامة في السمار بعين النعجة، ويبيعها بمبالغ تصل لمليون سنتيم أو أكثر للقنطار الواحد، قال للشروق، إنه استطاع اتمام بناء مسكنه المتكون من طابقين من خلال هذا العمل.
»ليس من العيب أن أفتش في القمامة و في أكوام الفضلات، لأنها اليوم تحولت لكنوز حقيقة » يقول السيد أحمد والذي أكد أن بعض العائلات أصبحت تغير كل أثاثها من فترة لأخرى وترمي بالقديم في المزابل.
في الحراش، تجار جمعوا كل ما يباع من المزابل لتسويقه لذوي الدخل البسيط بأثمان متدنية مقارنة بأسعارها الحقيقية، حيث قال بائع أحذية قديمة وملابس بالية »هذا خير الزوبيا » وابتسم ثم أضاف « القمامات اليوم باتت أشبه بمقابر الكنوز.. حتى الأجهزة الالكترونية والأثاث موجود فيها ».
في منطقة السمار شرق العاصمة و في المناطق الصناعية كروبية وواد السمار، تفطن الشباب أكثرهم قصر لفكرة الاسترزاق من جمع النفايات الحديدية والزجاج والخشب والبلاستيك وفرز كل هذه المعادن والمواد لإعادة بيعها لمصانع تحويل النفايات التابعة لمشاريع »لونساج »، وقروض « كناك » ويربحون الملايين من قناطير تمكنوا من جمعها في غضون أسبوع أحيانا.
المزابل في المدن الكبرى كالعاصمة خلفت أسواقا واسعة للخردة والأثاث القديم ففي وادي كنيس يؤكد احد الباعة أنه جمع من القمامة كراسي وأجهزة المذياع والتلفزيون وأصبحت الممول الأساسي له، حيث اعترف عن شرائه لسيارة من نوع بيجوة 206 من جمعه للخردة من المزابل.
…نفايات ومزابل الجزائريين مصدر للإنعاش الاقتصادي
في السياق، أوضح الخبير الدولي في الاقتصاد مالك سراي، للشروق، أن انتشار التنقيب في المزابل والقمامات والنفايات من طرف الجزائريين ليس مرده الفقر فحسب ولكن وراءه يقول « فكرة ذكية »، حيث أن الأسرة الجزائرية وصلت لمستوى راق من التطور والعصرنة، والكثير منها تغير أثاثها القديم كلية وتستبدله بأثاث يتماشى مع الموضة، الشيء الذي جعل المزابل غنية بأجهزة الكترونية وأثاث خشبي صالح لإعادة بيعه أو استعماله.
وقال أن هناك قوافل من الشباب والكهول يعملون على جمع النفايات وفرزها لبيعها لمصانع ومؤسسات مصغرة خاصة بتحويل المعادن والنفايات تابعة لمشاريع »لونساج » و »كناك » ولمؤسسات الدولة، حيث يرى أن هذه العمليات يمكن أن تحقق الملايين في شهر واحد وهي دعم اقتصادي لا بد من الاعتماد عليه. « الملايين جناها جزائريون من بقايا المزابل والقمامة وشيدوا بها فيلات واشتروا بها سيارات فاخرة » يقول سراي.
وكشف عن مشروع لحماية البيئة من خلال فتح شركات تابعة للدولة تحمي البيئة من جهة وتفرز النفايات، وهو برنامج رسمي لتنظيف المحيط.
خياطي: أطفال المزابل القمامة مهددون بالموت المبكر
من جهته، اعتبر البروفسور مصطفى خياطي، رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث، أن ظاهرة الاسترزاق من المزابل والقمامات طغت مؤخرا على السطح لدرجة لفت الانتباه يوميا، وهذا بعد أن كانت الظاهرة تتميز بها مصر واليمن وسوريا ومناطق الحروب.
وأكد أن الهيئة ستقوم بدراسة ميدانية حول الموضوع، حيث حذر من التلوث والجراثيم التي تهدد حياة الأطفال جراء التنقيب عن ما يبحثون عنه في المزابل والفضلات والنفايات، مشيرا أن نفايات المصانع والمستشفيات الأكثر خطرا عليهم. وبصفته مختص في طب الاطفال، قال إن أطفال المزابل روبوتاج: وهيبة سليماني
والقمامة مهددين بقصر العمر إلى جانب التسرب المدرسي بعد أن يتذوقون حلاوة جمع المال.