في ظل هذا الزخم الواسع والتسارع الكبير في الأحداث يتساءل الكثيرين عن دور المؤسسة العسكرية في الجزائر ومدى شرعية تدخلها في الحياة السياسية للبد، أرى بأنه في الجزائر يجب الموازنة بين القطاعين المدني والعسكري وإن فلن يكون هناك نظام ديمقراطي صحي في الجزائر، فمن الناحية الدستورية بدأ الحديث عن العلاقات المدينة-العسكرية في الجزائر عقب الاستقلال مباشرة سنة 1962 حيث كان نتاجا للخلافات التي وقعت في صفوف قيادات الولايات الداخلية وجيش الحدود، وقد حسم هذا الصراع بقوة السلاح لصالح جيش الحدود إذ تم تعيين « أحمد ب بلا » كأول رئيس لدولة الجزائر المستقلة تحت رعاية الحزب الوحيد في البلاد « حزب جبهة التحرير الوطني »، وهو إبن المؤسسة العسكرية ويستقي شرعية حكمه من الشرعية الثورية.
لقد بقي الجيش الوطني الشعبي مرتبط بصفة عضوية بالحياة السياسية للبلاد لعدة عقود من الزمن استمرت من أول دستور للجمهورية الجزائرية المستقلة، وذلك في إطار سياسة الحزب الواحد لجبهة التحرير الوطني فيقر دستور 1963 بأن الجيش » يتولى الدفاع عن أراضي الجمهورية ويسهم في مناحي النشاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي للجمهورية للبلاد في نطاق الحزب الواحد »، وعرفت الدمقراطية في الجزائر خلال هذه الفترة بأنها ديمقراطية عرجاء تعاني من حكم الجنرالات، ولكن مجيئ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سنة 1999 قام بقلب الموازين رأسا على عقب وصرح أثناء فترة ترشحه بأنه لن يكون ربع رئيس وأصبح هو وزير الدفاع وهو الآمر الناهي، وله حنكة كبير في الارتقاء بالموالين له في هرم الجيش، على سبيل المثال من 2015 إلى غاية نهاية 2018 تم انهاء عمل أكثر من 40 جنرال واستخلافهم بأسماء تعرف بولائها للرئيس ونائبه رئيس أركان الجيش، الأمر الذي أدى أيضا إلى دمقراطية عرجاء تعثو فيها عصابة مدنية حاكمة فسادا وظلما بدون حسيب ولا رقيب.
ومن الناحية الأكاديمية نجد بأن هناك الكثير من الدراسات منها دراسة لصامويل هنتنغتون Samuel Huntington الذي يعتبر من الباحثين الأوائل في مجال علاقة التعاون المدني العسكري والذي يقر بأن الاستثمار في مجال العلاقات المدنية العسكرية سيعزز حتماً الأداء الديمقراطي، وذلك من خلال خلق التوازن وضبط التأثير النسبي للضباط العسكريين والمسئولين المدنيين في اتخاذ القرارات المصيرية للدولة والمتعلقة أساساً بالأمن الداخلي والدفاع الخارجي.
كما ان عملية خلق التوازن بين القطاعين المدني والعسكري في مجال صناعة القرارات المصيرية للدولة، لا يعني إلغاء العلاقة بينهما لأن هناك اعتماد ودور كبير للجيش في صنع السياسات من جهة، ومن جهة أخرى هناك اعتماد لا يمكن الاستغناء عنه يتجسد في اعتماد المؤسسة العسكرية على القطاع المدني، وبتالي هناك اعتماد متبادل على الأداة العسكرية في السلطة الوطنية، وهذه تعتبر إحدى المعتقدات الأساسية في الفكر الليبرالي، فكلما تم الاستفراد بالحكم دون مراعات ميزان القوى في البلد قلل ذلك ادى ذلك إلى حتماً الى اسبداده الامر الذي يزيد من صعوبة اقتلاعه فيما بعد.
: بقلم: أسامة سليخ