بات من المؤكد أن معارك محتدمة تجري في عمق الدولة، تتميز بأنها صموتة لكنها شرسة وضارية، قد لا يلحظها المواطن العادي، لكنه الهدف المثالي والفاعل الأساسي في تحديد مسار الصراع بين صقور الدولة والجيش ضد جناح العصابة المستقوي بالخارج، الذي تلقى ضربات قاسمة لكنه لم يلفظ أنفاسه ولم يخسر كل ثقله وأسلحته، لذلك فبؤرة التركيز تدور حول تشتيت الحراك وتفتيته، وبث الخوف واليأس والشك في الأنفس، بشغل الرأي العام بقضايا ثانوية وغير ذات أهمية أو ثقل استيراتيجي، والتركيز عليها حتى يسحب الحراك إلى الفوضى ويخسر ثقله وصلته بجيشه، والأهم أن وسائل الإعلام التي ولدت من رحم النسق الفاسد وبالمال الفاسد، هي حصان المعركة الذي يجر الرأي العام من المركز إلى الهامش، من الكل إلى الاجزاء، عن طريق ما يعرف بحيلة الرنكة الحمراء.
وحيلة صرف الناس عن قضية جوهرية وأساسية، وتوجيههم نحو قضايا أخرى،برع فيها الصهاينة منذ القديم، وازدهرت تجارتها بتعاظم سلطة وسائل الإعلام وقوة تأثيرها، التي تعوذ جذورها إلى القرن التاسع عشر، حينما كان الفارون من العدالة والمجرمون في أوروبا، يستعملون سمكة الرينكة الحمراء التي تمتاز برائحة نفاذة، لتضليل كلاب الشرطة أثناء هروبهم باتجاه الغابات، لأنها تجعل الكلاب تقتفي رائحة السمكة بدلا عن رائحتهم، وبهذه الحيلة ينجحون في الفرار والنجاة.
هكذا إذن، يفعل فلول العصابة، فسمكة الرينكة اليوم هي قضايا ثانوية وأحيانا تافهة كثيرا مقارنة بالقضية الجوهرية وهي استئصال العصابة وتغيير النسق الفاسد، مثل تحويل ما يجري في ليبيا و مناورات المغرب على أنه خطوة ضد الحراك، دون أن ننفي طبعا بعض التفاصيل ذات الصلة بهذا الخصوص، أوتحويل المطالب الرئيسية إلى مطالب فئوية وغيرها وغيرها.
والملاحظ ان محتوى وسائل الإعلام المحسوية على النسق الفاسد، صار يفيض بقضايا تافهة تستهدف وعي الرأي العام وتصرفه عن أمهات القضايا التي تعتبر تحديا حقيقيا لمصير الشعب والدولة التي نهبت وأفسدت، وسيطر عليها نوعان من البشر: الجهلة والمفلسون أخلاقيا، وهذه هي البيئة المثالية التي وفرت شروطا مناسبة للنسق الفاسد ليعيش ويتعملق كل هذه السنين، حتى بلغ جبروته واستبداده حدودا غير معقولة.
صقور الجيش الشعبي الوطني في هذه المرحلة، وإلى هذه اللحظة، يخوضون معاركهم الحقيقية ضد أخطبوط بشع ومشبع بروح النشاة المستأنفة، ويستدعي منا الأمر، إدراك ما يجري والحذر في تعاطينا مع ما يبث وضرورة فرزه وغربلته، والمسؤولية هنا جسيمة بالنسبة للنخبة المثقفة الحقيقية، وليست النخبة الفاسدة المميعة، من أجل مرافقة وتوير الرأي العام وفضح الممارسات المنحرفة والخطيرة التي تستهدف تماسك الشعب بعضه ببعض، وتروم قطع اللحمة التي تربط الشعب بالجيش، والميدان الحقيقي الذي يجب أن تحتله النخبة الحقيقية هو هذا الفضاء الأزرق، إذا تم التضييق عليها وعلى ظهورها في وسائل الإعلام. الجماهيرية
إنها معركة الوعي، التي تم تتفيهها في سنوات خلت، حين أطلق نشطاء حملة لأجل بنائه ونشره، وجرى تخوينهم وتتفيههم، إن هذا ما يخيف قوى الشر التي اختطفت بلادنا: وعي الشعب وتماسكه، فهو ما يفضح المؤامرات وينتبه لألاعيب الفوضى.
بقلم الاستاذ : عبد العالي زواغي