شدني مثل غيري ذلك التجاوب الجماهيري والإعلامي الكبير مع الأداء الرديء للمنتخب الجزائري لكرة القدم في مباراته الأولى أمام تانزانيا، ولفت انتباهي تلك الحملة التي تعرض لها الطاقم الفني وبعض اللاعبين، وذلك الإصرار على ضرورة رحيل المدرب غوركوف، لأنه فشل حسب اعتقادهم في إعطاء هوية لعب للمنتخب الجزائري، وتسبب في تراجع أدائه، وقد يتسبب في إخفاقه في التأهل إلى المونديال، لكنني كنت أتمنى أن يسود الحرص نفسه والإصرار والإجماع على ضرورة رحيل كل الفاشلين والرديئين في كل المجالات وكم هم كثر في جزائر اليوم!
صحيح لا يمكننا التحكم في مطالب جماهير الكرة التي تستند إلى مشاعرها في أحكامها ومواقفها وآرائها، ومن حقها التعبير عنها بالأدب والاحترام اللازم، لكن ليس من حقها الإصرار على ضرورة رحيل المدرب أو الاستغناء عن أي لاعب أو استدعاء آخر، لأن الأمر لا يخضع لإجماع جماهيري، وتسيير شؤون المنتخب لا يمكن أن يشترك فيه الشارع وبعض محللي بلاتوهات القنوات التلفزيونية.
وسائل الإعلام من جهتها من حقها التعليق والتحليل وإبداء الرأي، لكن من واجبها أيضا الالتزام بأخلاقيات المهنة واحترام صلاحيات المشرفين على الكرة وعدم اللعب بمشاعر الناس، خاصة عندما راح بعضها يتحدث عن خليفة غوركوف، ويعلن عن أسماء مدربين سيخلفون الرجل بعد مباراة تانزانيا، مما خلف ارتباكا كبيرًا في أوساط اللاعبين الذين ازدادوا إصرارًا على التمسك بمدربهم، في وقت لايزال غوركوف مترددا في الاستمرار مع المنتخب مما يضعنا أمام مأزق ايجاد بديل لا يتوفر في السوق.
كثير من المحللين كانوا واقعيين في تحاليلهم، لكن بعضم لم يكونوا منصفين، خاصة عندما يقولون إن المدرب هو سبب الأداء الرديء في لقاء الذهاب، ويقولون إن الفضل يعود للاعبين في الأداء المتميز والنتيجة العريضة التي سجلت في لقاء العودة. بعضهم الآخر من المحللين لم يتخلصوا من ذاتيتهم ونرجسيتهم ومازالوا يخوضون في النقاش البيزنطي حول اللاعب المحلي واللاعب المحترف، ويتبنون تحاليل كروية تثير الضحك عندما نسمعها، لأنها تستند إلى منطق كرة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
صحيح أن التشكيلة الوطنية لم تصل إلى قمة مستواها ولم تستقر على هوية لعب، لكن الغريب في الأمر أن بعضهم يطالب برحيل غوركوف على الرغم من أنه لم يفشل والمنتخب مازال في السباق للتأهل إلى كأس أمم أفريقيا وكأس العالم، كما أنه لا يتحمل لوحده مسؤولية بعض الاختلالات التي ظهرت على أداء الفريق في المباراتين الوديتين أمام السنغال وغينيا، وفي لقاء الذهاب أمام تانزانيا، والتي يعود بعضها إلى كثرة الغيابات والإصابات.
ما يتعرض له غوركوف سبق وأن تعرض له وحيد حليلوزيش سابقاً على الرغم من أنهما لم يأخذا مكان أحد في تدريب المنتخب، لكن الحملة على الرجلين كانت مقصودة وقاسية وعنيفة، وفيها كثير من الإجحاف في حق اللاعبين الذين لم يبخلوا علينا بجهودهم، ولم يقصروا في واجباتهم تجاه منتخب بلادهم، وهم ذاتهم الذين كنا نفتخر ونعتز بهم في الأمس القريب.
مهما كان الحال، فإن سعي الجميع نحو الامتياز، والمطالبة بالتألق والتفوق هو ظاهرة صحية في المجتمع، لكن لا يجب أن يقتصر فقط على منتخب الكرة، بل يجب أن يتعداه إلى كل المجالات الأخرى حتى لا نختزل الوطن في منتخبه، ونغض الطرف عن الرداءة المتفشية في قطاعات أخرى، وعن الفشل الذي يطبع كثيراً من السياسات والممارسات.
التعليقات 0